للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فرحب بها وطلب مني تحقيقها.

على أني رأيت أن أقدم لما سأنشره من كتب الرافعي كلمة أذكر فيها كيف عرفت هذا الأديب الحجة، والسبب الذي جعلني أتصل به ذلك الاتصال الذي نما حتى صار صداقة وثيقة امتدت بيننا أكثر من ربع قرن خلطني فيها بنفسه، واصطفاني لصحبته، حتى لقد كان يشاورني في خاص أحواله، ويظهرني على مكنون أسراره

وليس من همي اليوم أن أعرض لتاريخ هذه الصداقة، ولا يتجه قلمي لبيان ما كان لها من أثر وما كان فيها من خير لأن لذلك يوماً أرجو أن أبلغه

ترجع معرفتي بأديبنا الكبير إلى أوائل سنة ١٩١٢. ذلك أن الحرب الطرابلسية كانت حينئذ مستعمرة بين الترك والطليان. وكان الأمير الجليل شكيب أرسلان قد ألم بمصر في سفره مع بعثة الهلال الأحمر إلى طرابلس الغرب، وما كاد يحط بها رحاله حتى أشرق على الناس نور بيانه فاستنارت به الأندية واستضاءت به وجوه الصحف، وكنت يومئذ في صدر شبابي والأدب العربي قد غلب على حبه حتى أغرمت به غراماً؛ ولكني لم أكن أعرف كيف السبيل إلى دراسته ولا قرأت من مصادره إلا كتباً قليلة كان قد أشار عليّ بقراءة بعضها العالم الكبير محمد فريد وجدي بك حفظه الله.

ولما رأيت الأبصار قد اتجهت إلى الأمير شكيب أرسلان، وذكره قد استفاض حتى نفذ إلى كل مكان، وأن رجال الأدب قد ذهبوا في الإعجاب به إلى أن لقبوه بأمير البيان، دفعتني الرغبة المشبوبة بين جوانحي لدراسة الأدب إلى أن أتوجه له بكلمة أرغب إليه فيها أن يبين لي وللذين هم مثلي في هوى الأدب كيف يبلغون منه غايتهم، فأجابني حفظه الله بجواب طويل ملأ صدر العدد الذي خرج من جريدة المؤيد في ١٩ فبراير سنة ١٩١٢ وكان صدر هذه الجريدة يزين كل يوم بمقال ممتع من تحبيره في الأدب والسياسة؛ وكان المؤيد يقدم لكل مقال له بهذه العبارة: (لسعادة الكاتب العثماني الكبير صاحب الإمضاء) أما الأمير فكان يرمز لاسمه في أعقاب ما يكتب بهذا الحرف (ش) وقد ساق الأمير الجليل في هذا الجواب القيم الذي لازلت أحتفظ به وأعده من نفائس البيان نصيحة غالية لكل من يريد دراسة الأدب، ثم أنشأ بعدها يبين للناس طريقته هو التي اتخذها في دراسته. ولما عرض للمصادر والكتب التي يجب على كل أديب أن يقرأها أخذ يثني ثناء طيباً على كتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>