٢ - أن ما تمسك به ابن جرير في ترجيحه للرأي الأول غير مسلم له، فقد بناه على أن المراد بالإيمان في الآية هو الإيمان المعتبر الذي ينفع صاحبه وتترتب عليه الأحكام، مع أنه أيمان - كما قرره العلماء، ومنهم ابن جرير نفسه - لا يعتد به ولا يقام له وزن ولا تترتب عليه أحكام لأنه إيمان جاء في غير وقته
٣ - أن من ينظر فيما تمسك به أصحاب المذهب الثاني: من العموم الواضح في قوله (وإن من أهل الكتاب) ومن قراءة أبى (إلا ليؤمنن به قبل موتهم) ومن أن إيمان المعاينة لا ينفع صاحبه عند الجمع، لا يسعه إلا أن يخالف ابن جرير فيما ذهب إليه وأن يقول مع النووي عن المذهب الثاني:(وهذا المذهب أظهر).
والنتيجة الحتمية لهذا كله أن الآية ليست ظاهرة فيما يقتضي نزول عيسى فضلاً عن أن تكون قاطعة فيه!
الآية الثانية
للمفسرين في هذه الآية أيضاً آراء مختلفة، ومن هذه الآراء أن الضمير في قوله تعالى:(وانه لعلم للساعة) راجع إلى محمد صلى الله عليه وسلم أو إلى القرآن، ولكننا نستبعد هذا ونرى أن الضمير راجع إلى عيسى كما يراه كثير من المفسرين؛ وذلك لأن الحديث في الآيات السابقة كان عن عيسى. ومع ذلك نجد خلافاً آخر يصوره لنا بعض المفسرين بقوله:(وإنه: أي عيسى لعلم للساعة: أي أنه بنزوله شرط من أشراطها، أو بحدوثه بغير أب، أو بإحيائه الموتى دليل على صحة البعث)
ومن ذلك يتبين أن في توجيه كون عيسى علماً للساعة ثلاثة أقوال:
الأول: أنه بنزوله آخر الزمان علامة من علامات الساعة
الثاني: أنه بحدوثه من غير أب دليل على إمكان الساعة
الثالث: أنه بإحيائه الموتى دليل على إمكان البعث والنشور ولقد كان في احتمال الآية لهذه المعاني التي يقررها المفسرون كفاية في أنها ليست نصاً قاطعاً في نزول عيسى، ولكننا لا نكتفي بهذا بل نرجح القول الثاني وهو (أن عيسى بحدوثه من غير أب دليل على إمكان الساعة) معتمدين في هذا الترجيح على ما يأتي:
١ - إن الكلام مسوق لأهل مكة الذين ينكرون البعث ويعجبون من حديثه، وقد عني القرآن