فتراهم يقولون هي متواترة قد رواها فلان وفلان من الصحابة والتابعين، وذكرت في كتاب كذا وكتاب كذا من كتب المتقدمين، فإذا رأوا في بعضها ضعفاً أو اضطرابا أو نكارة حاولوا التخلص من ذلك فقالوا: إن الضعيف فيها منجبر بالقوي، وأن العدالة لا تشترط في رواة المتواتر. وهكذا يخلعون عليها ثوباً مهلهلاً من القداسة لا رغبة في علم ولا غيرة على حق، ولكن مكابرة وعنادا، وإصراراً على التضليل، وليقال على ألسنة العامة وأشباه العامة إنهم حفاظ وإنهم محدثون!
بقي بعد هذا أمر لابد من تقريره: وهو أن تلك الأحاديث كيفما كانت ليست من قبيل المحكم الذي لا يحتمل التأويل حتى تكون قطيعة الدلالة، فقد تناولتها إفهام العلماء قديماً وحديثاً ولم يجدوا مانعاً من تأويلها. وقد جاء في شرح المقاصد بعد أن قرر مؤلفها أن جميع أحاديث أشراط الساعة آحادية ما نصه:(ولا يمتنع حملها على ظواهرها عند أهل الشريعة. . . وأول بعض العلماء النار الخارجة من الحجاز بالعلم والهداية سيما الفقه الحجازي، والنار الحاشرة للناس بفتنة الأتراك، وفتنة الدجال بظهور الشر والفساد، ونزول عيسى صلى الله عليه وسلم باندفاع ذلك وبدو الخير والصلاح. . . الخ.). ومن ذلك نرى أن السعد لا يقرر وجوب حملها على ظواهرها حتى تكون من قطعي الدلالة الذي يمتنع تأويله، وإنما يقرر بصريح العبارة (أنه لا مانع من حملها على ظواهرها) فيعطى بذلك حق التأويل لمن انقدح في قلبه سبب للتأويل، ثم يحدث عن بعض العلماء أنهم سلكوا سبيل التأويل في هذه الأحاديث فعلاً، ويبين المعنى الذي حملوها عليه، ولا شك أن هذا لم يكن منه إلا لأنه يعتقد - كما يعتقد سائر العلماء الذين يعرفون الفرق بين ما يقبل التأويل وما لا يقبله - إن ما تدل عليه ألفاظ تلك الأحاديث ليس عقيدة يجب الإيمان بها، فمن أداه نظره إلى أن يؤمن بظاهرها فله ذلك، ومن أداه نظره إلى تأويلها فله ذلك، شأن كل ظني في دلالته
ومما تقدم يتبين جلياً (أنه ليس في الأحاديث التي أوردوها في شأن نزول عيسى آخر الزمان قطيعة ما، لا من ناحية ورودها ولا من ناحية دلالتها). والسلام على من اتبع الهدى