للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على كل مسلم أو ليس حجة شرعية فلا يجب العمل به؟

واختلف الذين قالوا إنه حجة شرعية: هل ثبتت حجيته بدليل قطعي يكفر مُنكره، أو بدليل ظني فلا يكفر؟ وهل يشترط في وجوب العمل به أن ينقل إلينا بالتواتر أو يكفي أن ينقل ولو بالآحاد؟ وهل يشترط أن يبلغ المجمعون عدد التواتر أو لا يشترط؟ وهل يشترط أن يصرح الجميع بالحكم مشافهة أو كتابة، أو لا يشترط فيكفي تصريح بعضهم وسماع الباقين مع سكوتهم؟. . . الخ

وكما اختلفوا في حقيقته وفي حجيته اختلفوا فيما يكون فيه من أحكام: فقال قوم: إنه حجة في العلميات والعمليات جميعاً. وقال غيرهم: إنه حجة في العمليات فقط. ومن ذلك كله يتبين أن حجية الإجماع في ذاتها غير معلومة بدليل قطعي فضلاً عن أن يكون الحكم الذي يثبت به معلوماً بدليل قطعي فيكفر منكره

ولعل اختلاف العلماء في الإجماع على هذا النحو يفسر لنا ظاهرة منتشرة في كتب القوم وهي حكاية الإجماع في كثير من المسائل التي ثبت أنها محل خلاف بين العلماء، وذلك من جهة أن كل من حكي الإجماع في مسألة هي محل خلاف قد بنى حكايته على ما يفهمه هو أو يفهمه إمامه أو الطائفة التي ينتمي إليها في معنى الإجماع وما يكفي لتحققه

وعلى الرغم من ظهور السبب في تلك الظاهرة قد تأثر بها كثير من المتأخرين فخضعوا لها، وتوسعوا فيها تأييداً لآرائهم في المسائل الخلافية: فتجدهم في علم الفروع يحكون الإجماع على إلزام الطلاق الثلاث بكلمة واحدة، وعلى تحريم لحم الخيل، وعلى حل أكل الضب، وغير ذلك. وتجدهم في علم أصول الأحكام يحكون الإجماع على العمل بخبر الواحد، وعلى تقديم الإجماع على النص عند التعارض، وعلى العمل بالقياس. وتجدهم في علم الكلام يحكون الإجماع على رؤية الله بالأبصار، وعلى ظهور المهدي والدجال ونزول عيسى، وما إلى ذلك من المسائل العلمية والعملية التي ثبت فيها الخلاف ولم تكن محل قطع وإجماع. ولقد كان في وسعهم أن يقيدوا ذلك بالإجماع الطائفي أو المذهبي ولكنهم قصدوا أن يرسلوا كلمة الإجماع ليسجلوا على المخالف لوازمها الشائعة بين الناس: من مخالفة سبيل المؤمنين، ومشاقة الله ورسوله، وخرق اتفاق الأمة، إلى غير ذلك مما يتحرجه المسلم ويخشى أن يعرف به عند العامة. وكثيراً ما نراهم يردفون حكايتهم للإجماع بقولهم:

<<  <  ج:
ص:  >  >>