هذا وقد رأى بعض الباحثين أن الإجماع الذي كان يرجع إليه ويجرى على الألسنة في الصدر الأول حيث لا نص هو إجماع بمعنى آخر غير هذا الإجماع الذي اصطلح عليه الأصوليون واشتهر بين الناس أنه حجة شرعية، واعتمدت عليه عصور التقليد في سد باب الاجتهاد، وعصور التعصب في الرمي بالتضليل والتفسيق والخروج عن سبيل المؤمنين. ونرجو أن تهيأ لنا فرصة قريبة نشرح بها نظرية هؤلاء الباحثين ونبين ما لها من الآثار الطيبة المباركة على الشريعة وعلى الأمة الإسلامية
نعود بعد هذا إلى موضوعنا فنقول: إن الذين ذهبوا إلى حجية الإجماع لم يتفقوا على شيء يحتج به فيه سوى الأحكام الشرعية العملية، أما الحسيات المستقبلة من أشراط الساعة وأمور الآخرة فقد قالوا:(إن الإجماع عليها لا يعتبر من حيث هو إجماع لأن المجمعين لا يعلمون الغيب، بل يعتبر من حيث هو منقول عمن يطلعه الله على الغيب، فهو راجع إلى الإخبارات فيأخذ حكمها، وليس من الإجماع المخصوص بأمة محمد صلى الله عليه وسلم لأن الحسي المستقبل لا مدخل للاجتهاد فيه، فإن ورد به نص فهو ثابت به ولا احتياج إلى الإجماع، وإن لم يرد به نص فلا مساغ للاجتهاد فيه) وعلى هذا تخضع جميع الأخبار التي تتحدث عن أشراط الساعة ومن بينها نزول عيسى إلى مبدأ القطعية والظنية في الورود والدلالة، وقد سلف بيان ذلك في موضوع (السنة وثبوت العقيدة)
وعلى فرض أن أشراط الساعة مما يخضع للإجماع الذي اصطلحوا عليه نقول: إن نزول عيسى قد استقر فيه الخلاف قديماً وحديثاً:
أما قديماً فقد نص على ذلك ابن حزم في كتابه (مراتب الإجماع) حيث يقول: (واتفقوا على أنه لا نبي مع محمد صلى الله عليه وسلم ولا بعده أبداً، إلا أنهم اختلفوا في عيسى عليه السلام: أيأتي قبل يوم القيامة أم لا؟ وهو عيسى بن مريم المبعوث إلى بني إسرائيل قبل مبعث محمد عليه السلام) كما نص عليه أيضاً القاضي عياض في شرح مسلم، والسعد في شرح المقاصد، وقد سقنا عبارته في البحث السابق وهي واضحة جلية في أن المسألة ظنية في ورودها ودلالتها!
وأما حديثاً فقد قرر ذلك كل من الأستاذين المغفور لهما: الشيخ محمد عبده والسيد رشيد