إسماعيل وهي مصدر ما فيه من تنافر وأعني بها (تشخيصه) للأشياء؛ والتشخيص لا ريب من وسائل الفن القوية، ولكنه لا يمكن أن يكون مجرد عبث أو مهارة، بل من الواجب أن تمليه الأشياء إملاء يقربه الفن وقد مسه بجناحه فإذا به كالحقائق. والفن إلى حد بعيد إيهام، إيهام بالخلق، خلق واقع شعري، فهل نجح الشاعر في ذلك؟
إنني أنظر فأرى (قلب النسيم ولهان ينفطر للأضواء) وأرى (السنا قد مال جانباً) وأرى (نخلة قد أطرقت بتلعة) وأرى ظل النخلة كأنه (مضطهد)، ثم أرى (الدوح نشواناً) ومع ذلك يدعونا الشاعر إلى أن نخشع إن مررنا بالدوح النشوان. ما هذا التنافر؟ (لماذا ينفطر قلب النسيم ولهاً بالأضواء)، أهذا تجسيم لإحساس الشاعر؟ أهو تصوير لرقة النسيم تصويراً مجتلباً؟ و (لماذا يجثو السنا) وهو يحنو على الشاعر وينساب إليه من السماء؟ ثم إن الجو كله جو أحلام هادئة فيها لا ريب حزن خفيف ومع ذلك فجأة نرى الدوح نشواناً. وكل هذا تخبط في الرواية الشعرية أو انعدام لها. ومن عجب أن تجد وسط هذا التنافر الكاذب البيت الرائع بتصويره:
إن هب نسم بها خيلت ذوائبها ... أناملاً مرعشات هزها الكبر
وأن يجاور هذا التصوير الجميل تشبيهه لظل النخلة (بمضطهد) وأغصان الدوح بأشباح قافلة غاب عنها الرفيقان (الركب والسفر) وقد نزل على الدوح ضيفان (الليل والقدر) ليتم الازدواج الكاذب: الليل والقدر والركب والسفر. أما الليل فنستطيع أن نفهمه، ولكن ما شأن القدر هنا، وما الرأي في (غياب السفر) كناية عن ثبات الدوح وعدم تحركه. قد يكون في غياب الركب ما يشعر بالوحشة ولكنني في الحق لا أدرك العبارة عن السكون بغياب السفر. والأغصان (مبهورة ذاهلة) ولكنها مع ذلك قد تكون (منتعشة بشجو الرياح) وما أريد أن أدركه هو وضع تلك الأغصان. كيف كانت أو كيف رآها الشاعر. (ذاهلة أم منتعشة) أنني لا أطيق ما يلقيه الشاعر في نفسي من عجز عن إدراك ما رأى
ثم إن القمر (هيمان يحمل وجد الليل أضلعه) وقديماً قاتل النقاد أبا تمام لقوله (ماء الملام) وثار به الآمدي إذ وصف حمرة الخدين بـ (ملوطة الخدين بالورد) فماذا يقول المسكين الآمدي لو سمع محمود إسماعيل يتحدث عن (أضلع القمر)
وأنا لا أريد أن أطيل فقد أبنت بالأمثلة السابقة عما أريد من (الرواية الشعرية)؛ وأما