قلب اليمن - في ذلك ما ينم عن اهتمام السياسة البريطانية بتطور الحوداث على هذا النحو؛ وربما عن قلقها أيضاً. ذلك لأن اليمن تجاور منطقة عدن البريطانية وتشرف عليها من الشمال والغرب؛ ولعدن أهمية حربية خاصة فهي مفتاح باب البحر الأحمر من الجنوب، ومفترق الطريق الإمبراطوري البحري إلى الهند والشرق الأقصى؛ فوقوع اليمن في يد زعيم قوي كابن السعود قد يهدد مركز بريطانيا في عدن، أو في بعض ولاياتها المحمية المجاورة لليمن، وهي التي كانت منذ بعيد موضع خلاف بين الإمام والإنكليز، ثم سوى منذ أشهر بمعاهدة الصداقة البريطانية اليمنية. ومسألة المواصلات الإمبراطورية من أدق مهام السياسة البريطانية.
بيد أنه إذا كانت السياسة البريطانية تقف موقف الانتظار والتحوطإزاء تطور الحوادث في الجزيرة العربية. فليس هنالك على ما نعتقد، ما يدعوها للتدخل المباشر في سر هذه الحوادث. فعلائق ابن السعود وبريطانيا مازالت حسنةٌ. والإنكليز يثقون بابن السعود وصراحته وعهوده التي برهن في فرص عديدة أنه يحترمها ويعمل على تنفيذها، ولا نعتقد أن ابن السعود يفكر في الوقت الحاضر على الأقل في الإقدام على مناوأة سياسة بريطانيا أو مصالحها في أية منطقة من المناطق التي تسيطر عليها في أطراف الجزيرة، لأن ابن السعود يحرص دائماً على صداقة بريطانيا. وربما كان الإنكليز يؤثرون دخول اليمن في طاعة ابن السعود، ويؤثرون سياسته القائمة على الحزم والصراحة وحسن التقدير، على سياسة رجل كالإمام يلقون من صلابته وتردده وعدم اعتباره بالحقائق الواقعة كثيراً من المتاعب في عدن وولاياتها المشمولة بالحماية البريطانية. هذا إلى أن ابن السعود قد صرح على لسان ممثله في لندن أن يحترم الحقوق القائمة والمعاهدات المعقودة ويبذل وسعه لحماية أرواح الأجانب ومصالحهم في البلاد التي تفتحها جيوشه، ولا ريب أنه في حالة استيلائه على اليمن سيحترم نصوص المعاهدة اليمنية البريطانية الأخيرة، وسيحترم الحالة القائمة في ولايات عدن المحمية؛ ومن جهة أخرى فانه لن يفوت الإنكليز أن ينتهزوا فرصة انشغال الإمام بغزو أراضيه فيعملوا علىتوسيع احتلاهم لتلك الولايات بما يطابق خططهم التي لبث الإمام طويلا يقف في سبيلها.
ليس هنالك إذا ما يخشى وقوعه من جانب السياسة البريطانية للتأثير في مجرى الحوادث