لكنه الآن ينظر بعينيه الحزينتين المغرورقتين بالدموع إلى الانقلاب العظيم الذي وقع لبنيه، ويشعر بهذا الألم القتال يحز في قلوبهم ويدمي أفئدتهم.
لقد شاهد النيل العظيم مجد مصر القديم وأبهة الفراعنة، والآن يشاهد ذل بنيه وخضوعهم، يشاهد زمام أمورهم بين أيدي العدو، ويرى مفتاح ملكها الخالد في قبضته، بعد أن كانت تتقلب موجاته في مدارج العز، وتصطفق بين معالم الفرح والرخاء والأبهة التي أحرزها بنوه الأولون. أما الآن فهو يتقلب متهدماً بين الأسى والألم، كالشيخ ثكل أبناءه الواحد إثر الآخر، فهو صامت خاشع، يميد من ألم الحزن على ما أصابه الدهر في بنيه،. . يكتم لواعجه في غوره العميق، ويخفي دموعه الغزيرة بين طيات المياه فتزيدها اندفاعاً وانحداراً، فتبكي مصر نيلها الجبار، ويبكي النيل وطنه العزيز، وتئن مصر في موسيقى موجه الخافت، وتتوسل إلى الله أن يرفع عنها نير العبودية في أناشيده الناطقة الصامتة. .!
أي مصر!. . لقد طبعت في نفسي صورتك الخالدة، ونقش اسمك المقدس على صفحة قلبي بحروف بارزة لا تنال منها الأيام. أي مصر الحبيبة! أي مصر: يا درة الشرق الغالية، ومعبودة الجميع، لقد ملكتني وجعلت من نفسي أسيرة الأبد لحبك وهواك. .!