ها هنا ليس للحياة مقام ... ها هنا ليس للحياة ربوع
كل شيء مستسلمٌ لفناء ... فتأمل كيف الحياة تجوع؟
حيثما سرت لا ترى من صديق ... مؤنسٍ، غير ظلِّك المشؤوم
لمَ ترتابُ في الرسوم وهذا ... كله وطء رسمِكَ المرقوم
لا خريف الصحراء - إن جاء يوماً ... بخريف، ولا الربيعُ ربيعُ
قد تساوت فيها الفصول، وجاعت ... فتأمل كيف الربيَعُ يجوع
سكنتْ في تلولها غانياتٌ ... باسماتُ الثغور، شُقْر الشعور
نشرها عَّبق الجواَء عبيراً ... فتروَّحْ في الجو نشر العبير
وكأن الواحات فيها حسان ... يترقبن أوبة الأحباب
كلما أقعدَ المسافرَ يأس ... لوحت غادة له بالشراب
لا تروَّعن يا حسان الصحارى ... انه ضارب لكن لقاء
ذرنه يبتغي الطريق قليلا ... أين يرجو في داركن اهتداء
كم شباب في القفر قد عصرته ... وأناس طوتهمُ الصحراءُ
رأت الأرضُ والسماءُ ولكن ... ما استجابت أرض لهمُ أو سماءُ
انها مثل غادة سعرتها ... شهوات الأرواح والأبدان
لا تحاول من الوصال فراراً ... هي مشتاقة إلى إنسان. . .
ان أحبتك يا مسافر فانزل ... في حماها واهَجعْ وخلَّ الإيابا
انها تعصر الضجيعَ ولا تزْ ... دادُ بعد الوصال إلا التهابا
نام لا يرتجى إليك إياباً ... وغفا، لا يعي من الإعياء
أنبئيها يا ريح إن فتاها ... عشقتهُ عرائس الصحراء
لا تسحي الدموع حزناً عليه ... فشهيد الصحراء سوف يعود
أنها مثلنا تود غذاء ... تشتهي القوت وهو عنها بعيد
دير الزور
خليل الهنداوي