للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المراحل عنده الاقتصار على تفهم ما يدور حواليه من أحداث الحياة وإعمال الفكر في ألوانها المتباينة، دون أي تفرقة منه بين هذه الأحداث وهذه الألوان تدور على مسرح الحياة وبينها تمثل على خشبة المسرح. فكأنها في عينيه وهي تأخذ مكانها من مجرى الحوادث ملهاة مسرحية تستتلي فصولها اهتمامه وتستتبع تفكيره. حتى إذا ما نال من أتحف العوارف وألطف المعارف، وأدرك ماهية الأشياء وجوامع الحكم، كانت ثم مرحلة أخرى تفتحت فيها لأحلامه دنيا ساحرة لا يطرقها غير من أمدته الطبيعية بموهبة فكرية وأعدته لرسالة سامية في هذه الدنيا: مثل مرئياته واستوعب ضروب المعاني التي مرت عليه. فإذا قرأ لمالرب ولأفلاطون ولباروك ولتاس ولبوكاس، وافته غاية المراحل تجرر أذيالها ألا وهي مرحلة الإنتاج - هذه المرحلة التي مزج فيها اللهو بالجد وقرن فيها التسلية بالعمل. وإنه ليقال أنه غدا شاعراً عندما قرأ لمالرب قصيدة تعهدها الليالي حتى حفظها عن ظهر قلب ومن ثم طفق ينشدها لكل من صادف من الأصدقاء

تيقظت إذن في لافونتين ميوله الأدبية بعد أن تذوق دنياه وأخذ للأدب عتاده من القراءات المختلفة. فشرع يبحث عن نفسه في هذه الميول. فتناول بادئ ذي بدئ (خصي تيرانس) بالتعديل والتهذيب. غير أن ذلك لم يكن إلا محاولة فاشلة إذ تراوح فيها بين الترجمة وتقليد غير محكمين ثم نظم ملحمة مثيولوجية تصويرية بذل في تأليفها من دهره ثلاثة أعوام، وفاضل فيها بين الهات الفلاحة والتصوير والعمارة والشعر إلا أنها ليست مما يعتز به الأدب كثيراً

واتجه بعد ذلك نحو (أبليه فجهد أن يقلد قصته (بسيشيه)، ولكنه تعمل فيها الأسلوب وتصنع فيها المرح الذي عرف فيما بعد في خرافاته في أكبر وضوح وسلامة وجمال فلم يكن طبيعياً مع ما تتطلبه القصة القديمة من الوقار والجلال، فإذا محاولته رواية حديثة في أردية إغريقية لم يكن همها الإضحاك فأضحكت ولكن في استخفاف وسخرية. ثم عهد إلى (أدونيس) شكسبير فتخذها موضوعاً لروايته بهذا الاسم. ولكن كل من قرأ أدونيس شكسبير فاستطعم صنوف الفكر التي تختال فيها واستلذ الألوان المضطرمة الحارة التي تمتزج بها لا ينبغي له أن يطالع (أدونيس) لافونتين

فالحق أن تصوير معالم البطولة الإغريقية وتبيان عبقريتها المستعصية وإظهار جلالها

<<  <  ج:
ص:  >  >>