للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حزنت الزوجة لهذه الهجرة الفجائية فتساءلت (أأكون أنا الجانية عليه؟ هل من إساءة وخزته بها؟) بلى! إنها لم تعمد إلى الإساءة عمداً، وإنما جرت مع طبيعتها الطائشة الغريرة دون ان تفقه زوجها الحساس. فليس يكتفي ان تكون المرأة ذكية حصيفة لتصلح شريكة الفنان في الحياة، بل ينبغي لها في النزعات نكران الذات والتضحية بالنفس، وهذا ما لا تجده عند امرأة جاهلة بهرتها لذاذات الدنيا وغشيتها الأنانية!! إنما يرغب النساء أن يكن رشيقات ساحرات، وأن يتزوجن وجيه القوم كي يظهرن إلى جنبه متأبطات ذراعه. فأما الفنان الصناع فلا يجد متسعاً من الوقت حتى يتبرج مختالا كما يتبرجن مختالات فخورات، أرأيت كيف تشقى الاسر وينتابها الألم؟ أعرفت كيف يسقط الزوج ضحية الجلاد الأعظم. . . وبالأمس زرت (دار حنتى) الموسيقار وكان يسمر مع خواته الكثير، فطلبوا إليه فيما طلبوا أن يعزف على البيان، فقام يرجع لحنا سائغا طرب له الحاضرون وصفقوا أيما تصفيق، ولكن زوجته ما لبثت أن شرعت تتحدث في خفوت، فما زال صوتها يعلو حتى ملأ الغرفة وشغل الناس، فقطع الموسيقار لحنه ثم التفت إلي وهمس في أذني (هكذا تصنع معي على الدوام. إنها لا تطرب للموسيقى.!)

الشاعر - سهوت عن أمر جليل. إن الزواج خطرة هي لحظات الخور والملال، يتشاءم فيها الفنان ويشك في نفسه وفي قيمة فنه، فالمتزوج إنما يرى بقربه قلباً حبيباً يبثه أشجانه وشكوكه. والطفل؟ هذه الابتسامة البريئة التي تتألق على وجه الغض، أليست تعزى الشيخ وتجدد شبابه، ولك ما يخسره الفنانون يربحه أبناؤهم من بعدهم. فهذه الشعرات البيضاء التي تتساقط في المشيب يرونها تنبت سوداء متجعدة على رأس مستدير بديع

المصور - وكيف يستطيع الشيخ الواهن إطعام الطفل الصغير؟

الشاعر -. . . . وعلى كل حال فالفنان إنما خلقه الله للزواج قبل أن يخلقه للفن، فإذا لم يتزوج كان في الدنيا كالمسافر الجواب قد أتعبه التشرد فسكن إلى غرفة من غرف الفندق كتبت عليها هذه العبارة المبتذلة (للإيجار ليلة أو شهر)

المصور - ولكن هذا المسافر المتنقل لن يتذوق طعوم اللذات.

الشاعر - كفى! لقد اعترفت بأن في الدنيا لذات. . .

وبدا للمصور فنهض من مكانه إلى درج رسومه يلتمس منه كتابا مخطوطاً بالياً ثم عاد

<<  <  ج:
ص:  >  >>