للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فكروا؟. . . لقد دعوناهم إلى أن يفكروا للعصر الحديث بعقول حديثة، كما ندعوهم اليوم لكي ينظموا للعصر الحديث على غير طريقة المهلهل منذ ألفين من السنين، فهل استجابوا لصوت العصر الجديد؟ لقد شكونا إليهم عدم مشاركتهم في رفع المستوى المسرحي والسينمائي المصري، هذا المستوى الذي ينحط برواياته وشعبذاته ويجعلنا ضحكة الدنيا وسخرية العالم، فهل نزلوا إلى الميدان؟

ولقد سمعت كذلك من أحد المتصلين بهؤلاء الشيوخ أن الشاعر إنما ينبغي أن يكون غنائياً فحسب، لأن كل نظم غير غنائي هو نظم مصنوع فحسب، وكل نظم مصنوع، ادرامي أو نظم ملاحم أو قصص أو لا يمكن أن يكون صادراً عن روح شاعرة تحسه وتنفعل به. . . وهذه في رأيي نظرة ضيقة أو حجة يراد بها الجدل الفارغ والدفاع الذي لا يستقيم لصاحبه. وإلا فأين تذهب تلك الصور البارعة التي تسلب الشاعر وتسحر القلوب من صور الإلياذة والأوديسة والإلياذة والكوميديا الإلهية والفردوس المفقود. . .؟ ثم أين تذهب أشعار تاسو وأريوستو ودي فيجا وسرفنتس وراسين وكوريني القصصية الرائعة؟. . . أم أين تذهب المشاهد الساحرة المحشودة في هملت والأمير جون وعطيل ومكبث والملك لير وروميو وجولييت وتاجر البندقية وفاوست وتيمورلنك وغيرها وغيرها مما لا يكاد يستقصيه حصر ولا يقع تحت عدد؟

كم كان بودي أن أعرك أذن الشاعر الشيخ الذي أرسل هذا الهراء، ثم أصخ فيها بأعلى أصوات هومر وفرجيل ودانتي وملتون وشكسبير ومارلو والشعراء الطليان والأسبان واليونان والألمان، لكي يعلموا أن الشاعر الذي يغني لنفسه بقصيدة أو مقطوعة من بضعة أبيات أو من عشرين أو ثلاثين بيتاً هو شاعر أناني كسول. . . أما الشاعر الذي يعد آلام الناس من آلامه ومشاعرهم من مشاعره وقضايا قلوبهم هي قضايا قلبه، والدموع التي تنذرف من مآقيهم كأنها تنذرف من مآقيه. . . هذا الشاعر الذي يستجيب لأحزان الناس فيرددها قصة أو ملحمة أو درامة، إنما هو الشاعر الحق الجدير بالبقاء. . . هذا الشاعر. . . هو الذي أبحث عنه بين شعرائنا الشباب، ولن أفقد الأمل في أن أعثر عليه بين شعرائنا الشيوخ.

(يتبع)

<<  <  ج:
ص:  >  >>