للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

اليهودية؛ ولكن أثر فيها ببعض توجيهاته ونظمه. لقد وقف على طبيعة الإنسان، وعلى ما يضطرب بين جنبيه من النزعات وما ركب فيه من الغرائز والميول فلم يحاول كبتها بإلزامه الوقوف عند حد الضروري اللازم لبقائه، بل ترك يلبي ما تنطوي عليه نفسه من غرائز السمو دون أن يعترض سبيله أو يحد من نشاطه فمهد له بذلك سبيل الوصول إلى أقصى ما قدر له من التقدم المادي. لفت نظره إلى ما يحيط به من المخلوقات، وشحذ فيه قوة الملاحظة وهي عماد الفن الجميل، وذكره بالحياة الدنيا وما لها عليه من الحق (ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك) وبصره بما في الوجود من زينة وحببها إليه (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق).

هذا التسامح الذي عرف عن الإسلام في كل ما يتصل بمباهج الحياة ومتعها، ما دامت لا تتعارض مع أصوله في شيء، وما دامت لا تخرج عن دائرة الاعتدال، دفع بالمسلمين إلى الإقبال على الفنون الجميلة بنفس راضية مطمئنة، وجعلهم يزاولونها بقلوب مثلوجة وأفئدة هادئة، فأخرجوا للعالم ذلك الفن الرائع الذي فيه للفكر متعة وللنفس لذة وغبطة ذلك الفن الذي أثر في الفنون المعروفة على عهده من شرقية، وغربية.

ولقد اعترف علماء الآثار من الغربيين بما ترك الفن الإسلامي في فنون بلادهم من آثار واضحة: فالحروف العربية والزخارف الإسلامية نباتية كانت، أو هندسية قد لعبت جميعها في فنون أوربا دوراً هاماً. ومصنوعات المسلمين: من خزف وزجاج، ومعادن، وعاج ومنسوجات، وسجاد كلها كانت مثلاً تحتذى في بلاد الغرب.

(انتهى)

محمد عبد العزيز مرزوق

الأمين المساعد بدار الآثار العربية

<<  <  ج:
ص:  >  >>