هل تغير الرأي عندي في هذه القضية بين نوفمبر سنة ١٩١٩ ونوفمبر سنة ١٩٤٣؟
وهل تغير الرأي عند الدكتور طه فيما بين هذا التاريخ وذاك التاريخ؟
لم يتغير رأيي ولا رأيه، وأنا موقن بأني على هدى وإن لم يكن الدكتور طه في ضلال
ولكن ما الموجب لإثارة هذه المشكلة وقد تقادم عليها العهد؟
والموجب هو إصرار الدكتور طه على القول بأن مرجع الفكر في الشرق والغرب إلى القدماء من مفكري اليونان، وحرصه على إثبات هذا القول في الكتاب المقرر لمسابقة الأدب العربي، وكان قبل ذلك مقرراً للمطالعة في المدارس الثانوية، ونحن لا ندع أبنائنا يقرءون كلاماً يساق بلا بينة ولا يقين
يضاف إلى هذا أن الدكتور طه عقد فصلاً خاصاً بهذه القضية عنوانه (بين الشرق والغرب)، وقد أراد بهذا الفصل أن يجعل القيمة العقلية من حظ الغرب، وأن يجعل البوارق الخيالية من حظ الشرق، وانتهى إلى النص على أن الغرب وطن الفلاسفة وأن الشرق وطن الأنبياء
فماذا يريد الدكتور طه بهذا القول؟ وما حظه في أن يقرر أن العقل الشرقي انهزم أمام العقل اليوناني مرات في التاريخ القديم وأنه ألقى السلاح في التاريخ الحديث؟ وما الغرض من الإصرار على أن العقل الشرقي يذهب في فهم الطبيعة وتفسيرها مذهباً دينياً قانعاً، بدليل أنه خضع للكهان في عصوره الأولى وخضع للديانات السماوية في عصوره الراقية؟
لابد من نقض هذه الآراء قبل أن يفتن بها التلاميذ، لأنها صادرة من رجل ممتاز من الوجهة الأدبية، أو لأنها مسجلة في كتاب رقم عليه اسم وزارة المعارف العمومية
وما الذي يمنع من تبصير الدكتور طه بالصواب؟
هل نجا من شوق التعرف إلى الحق؟
وهل هان الشرق على أهله حتى نسكت عمن يرمون بالعقم والإمحال في الميادين العقلية؟
على الدكتور طه أن يسمع، وله أن يجيب إن كان يملك الجواب