أما موضوعه فمن أحب الموضوعات إلى النفس لأنه يبحث عن (حياة مي). وأنا أحب مياً وأكلف بها، وأحب التحدث عنها والاستماع للذين يتخذونها موضوعاً للحديث حين يخوضون من حياتها وأدبها. فهي من الشخصيات الجديرة بالدراسة حقاً من حيث أنها غذت نهضة الفكر العربي، والنهضة النسائية مدى ربع قرن، فكان لها في كل موضوع رأي، وفي كل مكتبة أثر
وأما طريقته فطريقة التحليل النفسي بصدقه ودقته، والعرض الروائي بطلاوته وحبكته. وأما أسلوبه فأسلوب أدبي قوي لا عوج فيه ولا التواء، ينساب في كثير من المواضع كالجدول الصافي. ولا ريب أن الأستاذ محمد عبد الغني حسن، قد بلغ أقصى ما أراد في الجهة التي اختارها أو اختارها له (المقتطف) شيخ المجلات العربية الذي يحسن أن نشير إلى ما كان بينه وبين الأديبة النابغة من مودة وثيقة دامت ردحاً من الزمن، فلا عجب إذا تولى المقتطف إخراج هذا الكتاب وفاء لصديقته وقياماً بالواجب الأدبي نحو إنتاجها الفني. وقد استوعب الكتاب ترجمة مي وثقافتها ومحافظتها على الروح الشرقية، وعطفها على الحياة الإنسانية، واحترامها للشرائع السماوية، وحبها للغة العربية، وطريقتها في الكتابة النثرية، وجهودها في النهضة النسائية، وتأسيس ندوتها الأدبية، وكل ما اتصل بحياة مي الثقافية من الأحاديث والأخبار التي حصل عليها الأستاذ محمد عبد الغني حسن، من قادة الفكر في مصر كدليل على صدق خدمتها للأدب ورفيع مكانتها في النهضة
لذلك أرى أن القارئ يصيب من مطالعة هذا الكتاب غرضين، معرفة الآنسة مي، والوقوف على آراء الأدباء والشعراء فيها. وكلاهما جليل الخطر، عظيم الأثر. وهو أثناء ذلك يستمتع بتلك الروح العذبة تطالعه من بين السطور، وروح الآنسة مي، تشع بالنور، وتنضح بالعطر. وتنبض بالحياة
جزى الله الكاتب الفاضل خير ما يجزى به العامل المخلص على جهده وتوفيقه. والشكر الجزيل للمقتطف على عنايته بتقديم هذا المجهود الأدبي إلى الأدب العربي الذي لا يستغني عنه أديب.