ومع أنها لا تستطيع في بعض الموضوعات اللحاق بالأمم التي يسر لها الحظ أن تعنى بالكشف والتحقيق قبلها إلا أن ما تسعى له من ترويج الثقافة العلمية وتشجيع البحث سيهيئ لها أن تبلغ الشأو العالي وتتربع على عرش القيادة العلمية من إنكلترا وأمريكا وألمانيا مثلاً: فقد فرضت الحكومة سلطتها في نشر الفكر المنظم بين طبقات الشعب، وهي تعمل على خلق البيئة العلمية الصالحة لأن يترعرع فيها العلم وينمو
وتنشر الصحف الكبيرة مقالات مسهبة في مواضع علمية وصناعية وفنية، كما تحتل أخبار البحث وتقدم الهندسة الآلية الصفحات الأولى منها. وتكثر المكتبات بشكل عجيب ويعم تداول الكتب؛ فقد بلغ ما بيع من طبعة روسية لأحد كتب الفيلسوف (كانت) سنة ١٩٣٦ مائة ألف نسخة. وبكلمة موجزة نقول إن العلم في روسيا لقي من التشجيع أكثر مما لقي في أي قطر آخر سواء في تأسيس المعاهد أو تمويل المحترفين
لا يزيد عدد العلماء اللامعين الذين يحتلون مقاماً عالمياً على الأربعين، تثقف معظمهم على عهد القيصرية. فمما لا شك فيه أن الوضع القياسي الذي وجد علماء الروس الناشئون أنفسهم فيه قد أجبرهم على التهام الحقائق الجديدة والنظريات الواسعة بسرعة، فأعوزهم الاختبار الحصيف والنقد العنيف، نذكر من مشاهيرهم الأستاذ جوف مدير المعهد الطبيعي التكنيكي في ليننغراد، ومؤسس هذا المعهد تحت إشراف أكاديمية العلوم، ويكاد تكون بحق باني النهضة العلمية الحديثة؛ فمن معهده تخرج الأساتذة الذين يديرون المعاهد الأخرى في بقية البلدان الروسية. وميدان بحثه خواص الأجسام الموصلة توصيلاً جزئياً. وقد ألقت دراسته ضوءاً ساطعاً على كسر الأجسام العازلة. ويدرس أيضاً مقاومة الأجسام الصلبة، وكيف تزيد إمكانية الحد أو قوة المادة
ومن تلاميذه ستيبانو الذي ارتأى أن الاحتكاك بين سطوح البلورات المتجاورة الواقعة تحت ضغط عال يعقب ميوعة وقتية تفسر كيف تلتوي قطعة معدنية بسرعة ثم تبقى محافظة على الشكل الجديد الذي تأخذه