وأقيمت الحفلات التأبينية على روحه الكريمة ولذكراه التي لم يأبه لها أحد في حياته!
فهل هو (الموت) الذي يقيم لهؤلاء الأدباء شأنهم؟ وهل هو (جواز السفر) لتقدير أدبهم؟
ليس الموت وحده فيما نظن هو الذي يسبغ على الأدباء قدسيته، بل هو غرض الأحياء من (المنتفعين) في أن ينتفعوا - بعد - من موت الأموات!
فقد مات (الزهاوي) الشاعر الذي تعدت شهرته حدود العراق والعالم العربي إلى أوربا ونسي بعد موته مباشرة
ومات (محمود أحمد) القصاص الأديب، فلم يذكره أحد
ومات (خلف شوقي الداوودي) فلم يشعر به أحد!
وسيموت غير هؤلاء كما مات عبد المسيح وزير على حين فجأة، فلا تقوم في أنفس الناس عليهم سوى بعض ما يتكرم به المتكرمون ويكون أبعدهم في الكرم من يقول: رحمة الله عليه!
هذا الرصافي: وهو الشاعر الذي كانت البلاد العربية بأجمعها تردد أناشيده وأغاريده في وقت من الأوقات:
ما هي حياته الآن وما محصولها؟
إنه يعيش كما يعيش النبات، ولا يجد من يذكره، ولعله يعد أيامه عداً!
وهذا (الصافي) أمثولة البؤس الحي، تنطق أشعاره به، ولعله هو الآخر يحسب ما بقي من أيام حياته
هل يعجز العراق كله بأن يمد في حياة هذين الأديبين - مثلاً - وأن يساعدهما على مد اللغة العربية ببعض الروائع؟
كلا! على التحقيق
ولكنه يفضل أن يموت كلاهما لكي يقول عنه: رحمة الله! لقد كان أديباً فذاً!
لا يملك الأديب أن يكتب في رثاء (وزير) دون أن يكون في طبيعة هذا الرثاء شيء من رثاء نفسه، فالواقع أنه - كان - أمثولة حية للأديب العراقي في بلاد الرافدين!
فقد كان موظفاً أفنى في وظيفته ربع قرن بدون أن يحصل على إجازة يوم واحد، ومات بعد كل ذلك فقيراً!