مخصوصة تلجأ إلى طرق معوجة لإدراك كنهه، وقد قامت الديانات الكبرى اليهودية والنصرانية والإسلام برسالة الحق بأسلوب صريح سهل كان عاملا قوياً في سرعة قبولها. وإني أعيذ الإنسانية أن تكون وسيلتها في تعرف الحق الإلهي طرق المتصوفين، إذ لو كان الأمر كذلك لبات الحق مجهولا إلا من أفراد معدودين.
وقد لاحظت أن الغموض طبيعة في المتصوفين، وأنه غير معتمد، وإذ يرون أنفسهم قد بعدوا عن الطريق السوي، يعمدون إلى تعليل هذا الغموض بأنه مقصود لذاته يصون أسرارهم، وقد وجدت أن كل متصوفي العالم تتخذ للتعبير عن إرادتهم في الحق أسلوب العشاق لا عن مران سابق أو تعمد، بل عن سجية خاصة بهم، وهذا يسقط حجة القائلين بأن الإبهام وسيلة مقصودة لحفظ الأسرار
ويذكر القراء أن المتصوفين لا يتفقون في تأويل لغتهم الملتوية، وحسبي أن أذكر البيتين اللذين نشرتهما الرسالة منذ أكثر من عام؛ وكيف اختلف كل شارح في تأويل معناهما وعارض بعضهم، وكلهم يدعي العلم بالتصوف. وبتنا نحن القراء في حيرة من أمر الشعر الصوفي الذي لم يهتد لمعرفة ما يضمره قائله.
ولنعتبر بكلمة الحق التي تلوكها ألسنة المتصوفين، والتي أطاحت برأس الحلاج عندما قال كلمته المشهورة (أنا الحق)؛ فإن من ينشد الحق لا بد له من الصدق والصراحة والوضوح، ومن يلتمس الحق عن طريق الغموض والإبهام فإنه يناقض نفسه
وقد ذكرت في كلمتي السابقة أمثلة من غموض المتصوفين، وإن بيتاً من شعر ابن الفارض لا تكشف مخابئه آلاف من الصحف. ولعل قولة الحلاج (أنا الحق) مثل من أمثلة الغموض حمل الناس على اعتباره زنديقاً فقتلوه، ولو كان يحسن التعبير عما يضمره لنجا من الخاتمة المشئومة التي جره إليها الإغراق في الغموض.
وختاما أسائل الكاتب الفاضل ماذا يريد المتصوف عندما يذكر الحب والحبيب والدلال والوصال والهجر، ومن اصطناع لغة العشاق في معرض الكلام عن الحق الإلهي، أيعد هذا تنزيهاً لهذا السر الرباني، أم يعد إفلاسا وفقرا في الإيضاح والبيان له سيئات كل قصور؟
أما عن البحث في نفسية المتصوفين فليس هذا مجاله كما قلت