وموازينهم. أو ليست العبقرية - قبل كل شيء - انطلاقاً من كل قيد، وشروداً عن كل مصطلح ومألوف؟
أما عقيدة شلي الفلسفية ورسالته التي بشر العالم بها فلها قصة طويلة لا يستطيع جلوها ناصعة إلا عن طريق الدراسة الدقيقة لشعره في مختلف أطواره الروحية. مع أنه - بالحقيقة ليس صاحب فلسفة متبلورة ناضجة ذات حدود، إن هي في مجموعها إلا تجارب نفسية متباينة ذات أصباغ مشوشة غامضة
فشلي يرى ظواهر الوجود سيلاً مندفعاً من أزل الآزال إلى أبد الآباد لأي لحظة واحدة من الزمان. فهو - إذا شئنا الدقة الفلسفية - خلق مستمر، وامتداد من عالم الحرية إلى عالم الحتمية والضرورة.
(الكون السرمدي لهذه الأشياء
يتراكض خلال العقل. ويضرب بأمواجه الخاطقة.
آونة قائمة. وآونة ملتمعة؛ حيناً تقبض النفس،
وحيناً تنيرها. . . . . .
كجدول رقراق يأخذ سمته، خلال الغاب الكثيف
وبين الجبال، حيث الشلالات المتدافعة حولها إلى الأبد،
وحيث الغاب والريح يتصارعان؛ يندفع النهر الكبير
دائباً على الصخور بلا انقطاع، وهذه الكائنات - وفيها الإنسان - (كسحب تغشى القمر الليلي،
وسرعان ما تنقشع، فتلتمع، ثم ترتعش،
فترى الظلام بلألأئها! ثم يطبق الليل
ثانية. . . فتضيع هاتيك السحب إلى الأبد.
. . . ألا إن أمس الإنسان لا يشبه غده
فهو لن يعاني غبر التغير المستديم.)
أما حيال ذلك السر المحجب القديم: سر هذا الوجود ماذا يحول؟ وأيان منتهاه؟ فكثيراً ما وقف واجماً مبهوتاً لا يرى غير ظلمات يركب بعضها.