في (قاعدة الملكية) مثلاُ فيدرسها درساً وافياً، ويعرف ما يتصل بها من التصرفات، وما هو اتجاه الشريعة في شأنها، ومن الذي يثبت له هذا الحق، وما مدى حرية المالك في تصرفه، وهكذا يتتبع آثارها، ويسجل فروقها، ويعرف آراء العلماء وأصحاب المذاهب فيها معرفة البصير الناقد المتخير الذي يعرف ما يعرف وينكر ما ينكر عن بينة وفحص وروية وإعمال فكر وإدمان نظر، ثم ينظر في قاعدة أخرى على هذا النحو، وقد ذكر العلماء كثيراً من هذه القواعد كقولهم:(المشقة توجب التيسير)، (الضرر يزال)، (العادة محكمة)، (تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة)، (الخراج بالضمان)، (الوسيلة والمقصد)، ما يؤثر فيه الغرر وما لا يؤثر)، (اليقين لا يزول بالشك). الخ
وقد دعا إلى هذه الطريقة الفقيه المصري (شهاب الدين احمد بن إدريس القرافي المتوفى سنة ٦٨٤) فبث كثيراً من القواعد الفقهية في كتابه (الذخيرة) ثم ألف كتابه الجامع المعروف (بالفروق) وفي مقدمته يقول:
(وهذه القواعد مهمة في الفقه، عظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف، ويظهر رونق الفقه ويعرف. ومن جعل يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية تناقضت عليه الفروع واختلفت، وتزلرلت خواطره فيها واضطربت، وضاقت نفسه لذلك وقنطت، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى، وانتهى العمر ولم تقض نفسه من طلب مناها، ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات، واتحد عنده ما تناقض عند غيره)
والأستاذ الأكبر المراغي يرى هذه الطريقة واجبة فيقول في مذكرته التي جعلها برنامجه لإصلاح الأزهر منذ ١٩٢٨ لم ينفذها:
(يجب أن يدرس الفقه الإسلامي دراسة حرة خالية من التعصب لمذهب، وأن تدرس قواعده مرتبطة بأصولها من الأدلة وأن تكون الغاية من هذه الدراسة عدم المساس بالأحكام المنصوص عليها في الكتاب والسنة، والأحكام المجمع عليها، والنظر في الأحكام الاجتهادية لجعلها ملائمة للعصور والأمكنة والعرف وأمزجة الأمم كما كان يفعل السلف من الفقهاء)
وإني في مطلع هذا العام المبارك أسأل الله أن يهيئ لنا من أمرنا رشدا، وأن يوفق الأزهر