فشارك فيها مشاركة المؤمن بحقوق الشعب، المذعن لسلطانه، فأيد دعاة الدستور، وعضد قادة الأمة، وبسط من لسان مصطفى كامل، ومد في يد سعد زغلول. ولو ذهبت تستقصي دوافع العمل ودواعي الخير في حياة الأمير ثم رددتها إلى مصدر واحد، لكان ذلك المصدر حبه العارم لمصر والسودان وما يمت إليهما بسبب، من جوار أو نسب. فمن أجلهما عطف على طرابلس وفلسطين والحبشة، وفي سبيلهما عقد الأواصر ومتن الأسباب بين الأهل والجيرة
ثم اتجه نشاطه إلى العلم والتأليف فلم يجد أعلق بخاطره ولا ألصق بهواه من البحث في تاريخ مصر والسودان، وتقويم بلداتهما، ومناقب سكانهما، فكتب في هذه الموضوعات واحداً وعشرين كتاباً أكثرها بالعربية وبعضها بالفرنسية، أشهرها:
الجيش المصري البري والبحري في عهد محمد علي، مصر والسودان، كلمات في سبيل مصر، مالية مصر من عهد الفراعنة إلى الآن، رسالة المصانع والمدارس الحربية في عهد محمد علي، الأطلس التاريخي الجغرافي لمصر السفلى منذ الفتح الإسلامي إلى اليوم، ضحايا مصر في السودان وخفايا السياسة الإنجليزية، يوم ١١ يوليو سنة ١٨٨٢، وادي النطرون ورهبانه وأديرته، المسألة السودانية، فتح دارفور سنة ١٩١٦ تاريخ مديرية خط الاستواء المصرية من فتحها إلى ضياعها، تاريخ خليج الإسكندرية القديم وترعة المحمودية، الجيش المصري في حرب القرم. وهذا الثبت المختصر كاف وحده للدلالة على مهوى فؤاد الأمير ومتجه مساعيه.
كان الأمير عمر، جاد الله بالرحمة تراه، نازه النفس لم تحم حول مروءته ولا سمعته ريب الحسب الموروث ولا دنايا الغنى الطافح. وكان صاحب وقار وجد، فلم يشغل ذرعه بسفساف الأمور ولا حقير الملاهي. وكان في دقته كدورة الشمس تضبط على حركاته ساعتك؛ فهو ينام ويستيقظ ويأكل ويعمل ويقيل ويقرأ ويستريح ويستريض في مواعيد لا تتقدم لحظة ولا تتأخر. وتلك خصيصة العزم الثابت، والنفس المطمئنة، والطبع المستقيم. ولقد كان وهو في هذه السن العالية يدبر أعماله الزراعية والمالية بنفسه، فيفض البريد، ويعلق على كل رسالة، ويطلع على كل أمر، ويقضي في كل مسألة. وكان الظن بمثل هذه الحياة العاملة الحافلة الموزونة أن تنبو على أعراض الترف وأمراض البطالة؛ ولكن أجل