ولكني لم أعرف الصولي معرفة حب وإعجاب إلا قراءة كتاب (أخبار أبي تمام) فقد وجدته يؤمن بالأدب إيماناً هو الغاية في العمق، والذي يقرأ دفاعه عن أبي تمام يكاد يتوهم أنه يتحدث عن نبي من الأنبياء، لا شاعر من الشعراء، ويزيد في قيمته أنه يرد معاني أبي تمام إلى مصادرها القديمة حين يجد ما يوجب ذلك، وهذا الصنيع يشهد بحب هذا الرجل للصدق، ورغبته في أن تسلم أقواله من الأهواء
وقد تألمت حين تذكرت أن من الصعب أن نصل إلى بقية مؤلفات الصولي، ولا سيما المؤلفات الخاصة بتحقيق طائفة من دواوين الشعراء، كالذي صنع في تحقيق ديوان أبي نواس، بحيث صارت نسخته هي النسخة المعتمدة، وبحيث صارت النسخ القديمة تباع بدراهم بعد أن كانت تباع بعدد أوراقها دنانير فأين تلك النسخة الفريدة؟
هل يسمح الزمان بأن نجدها في أي مكان؟
إن ديوان أبي نواس أهمل، ولا أذكر أن في علماء هذا العصر من اهتم بشرحه، مع استثناء جهد أستاذنا الشيخ سيد المرصفي في شرح الرائية التي منها هذا البيت:
لا أذود الطير عن شجر ... قد بلوت المرَّ من ثمرهْ
وأهمية نسخة الصولي أنها من تصنيف رجل قريب من زمن أبي نواس، ومن حديث الصولي نعرف أن المفاضلات بين بشاد وأبي نواس كانت تشغل الأندية في تلك الأيام، ومعنى هذا أن أشعار أبي نواس كانت لا تزال بمنجاة من التزبد والافتراء يرحم الله الصولس!
تراجم مفقودة
قال الناشران الفاضلان إنهما لم يعثرا على ترجمة مزاحم بن فاتك الذي ألف له الصولي كتاب (أخبار أبي تمام)، وأقول إن ترجمته موجودة بشهادة هذا الكتاب، أعني أنه كان شخصية كبيرة عاشت في صدر القرن الرابع واستحقت التفات الصولي الذي كانت له منزلة تسمح بمنادمة الخلفاء
ولكن هنالك تراجم مفقودة أحب أن يبحث عنها هذان الناشران الفاضلان، وهي تراجم الرجال الذين عادوا الصولي عداء ذهب برشده كل مذهب وأجرى قلمه بما لا يصدر إلا عن رجل مغتاظ مهتاج