ظهرت في باريس (صالونات) أخرى أهمها صالون الآنسة دي مونبانسييه، والآنسة دي سكودري، والكونتس دي لافاييت، وصالون الدقو دي لاروشفوكو، الذي بدأ بعد الشغب يبحث عن السعادة في الأدب والفكير، ثم صالون المركيزة دي سابيله.
وكان كل صالون يميل إلى نوع خاص من الأدب. فصالون الآنسة دي سكودري يميل إلى وضع المعاني الغزلية الرائعة في شعر قصير، وصالون الآنسة دي مونبانسييه يحب الصور الشخصية، وصالون المركيزة دي سابليه يتعشق عمل المواعظ، أما بيت رامبوييه فكان مولعاً بالأدب وفروعه جميعها
وفي أحد الأيام، وكان ذلك في عام ١٦٥٨، طلبت الآنسة دي مونبانسييه من الحاضرين في مجلسها أن يرسموا صورهم كتابة في مقالات موجزة. ثم تناولت القلم ووصفت على القرطاس أجزاء وجهها، ثم قوة ذهنها، ثم أهواء نفسها وميولها وأخلاقها. وقلدها جميع الحاضرين ومن بينهم لاروشفوكو. ثم جمعت هذه الصور ونشرت في عام ١٦٥٩ وكانت صورة لاروشفوكو الممهورة بالحروف الأولى من اسمه أول عهد الجمهور الفرنسي بكتابته. وسنذكر نبذا من هذه الصورة عند الكلام على أخلاقه وميوله
وكانت جماعة المركيزة دي سابليه يعالجون في صالونها الموضوعات الجدية، ويتحدثون عن ديكارت والمنطق والأهواء الإنسانية، وقبل أن يتفرقوا يحاول كل منهم أن يضع خلاصة المناقشة في جمل قصيرة فصيحة، أي يضعها في حكم أو مواعظ. وانتشر هذا الميل إلى الحكم حتى بلغ الريف. وفي عام ١٦٦٠ كتب لاروشفوكو من (فرتى) إلى المركيزة يقول (هل لاحظت أن الميل إلى كتابة حكم ومواعظ يعدي كالزكام؟ هنا في الريف كثير من الناس انتقلت إليهم العدوى وشغفهم هذا الميل حبا). وصالون هذه المركيزة هو الذي ملك على لاروشفوكو عقله ولبه، واستأثر به دون الصالونات الأخرى
وفي عام ١٦٦١ أصيب بمرض النقرس، فلازم بيته في شارع السين بباريس، وجعله (صالونا) يجتمع فيه عظماء الفرنسيين وأدباؤهم. وفي هذه السنة اعتزلت الدوقة دي لونجفيل الاجتماع واتجهت إلى العبادة والتكفير عن سيئاتها، بعد أن هجرها صاحبها الدوق دي نيمور، ومات قتيلا في مبارزة وقعت بينه وبين الدوق دي بوقور
وكان لاروشفوكو قد بدأ يكتب مذكراته بعد أن وضعت الحرب الأهلية أوزارها في لهجة