ذلك كله لا يخوضون في حديث السياسة الداخلية، ولا يتكلمون فيمن تولى وفيمن عزل؛ فذلك ليس من شأنهم، فإذا نزل أحدهم ميدان السياسة عرض نفسه للعزل كما حدث لسليمان بن حمزة قاضي الحنابلة بدمشق الذي عزل بسبب تكلمه في نزول الملك الناصر عن عرشه مكرهاً لا مخيراً، وكما حدث للشيخ كريم الدين بن الحسين الأيكي شيخ الشيوخ بمصر الذي كان على صلة بأمراء المماليك، وكان له هوى سياسي معين، فعزل عن منصبه الرفيع وعين بدلاً منه ابن جماعة المشهور
ولم تكن المرأة المصرية أو الشامية جملة بمعزل عن مجالس العلماء في ذلك العصر؛ بل كان بعض النساء يترددن على هذه المجالس ويستمعن إلى الدروس ويناقشن في المسائل. فالسيدة فاطنة بنت عباس البغدادية كانت تحضر مجلس ابن تيمية، وكان هو يستعد لها بسبب كثرة مسائلها وحسن أسئلتها وسرعة فهمها. ويذكر ابن كثير المؤرخ أنه سمع ابن تيمية - وكان معاصراً له - يثنى عليها ويصفها بالفضيلة والعلم. والشيخة الصالحة ست الوزراء بنت عمر بن أسعد كانت تروى صحيح البخاري وغيره من كتب الحديث. وكانت تحدث الرجال بحديث الرسول عليه السلام
ولا شك أن ابن تيمية كان أشهر العلماء بين مصر والشام في ذلك العصر، فقد شغل الدنيا كلها بمسائله ومناظراته ومجالسه وقد جمع إلى ذكاء العقل وسرعة الفهم والشجاعة في الحق وعدم الخشية في سبيل الله. وله مع قازان ملك التتار مواقف مشهورة ذكرها الشيخ محمد البالسي زميله في وفد العلماء إلى قازان. فقد قام ابن تيمية يهدر كالسيل لم يخش أحداً ولم يجامل سلطاناً ولم يتملق حاكماً. ولكن الله أجرى الصراحة على لسانه؛ وأودع الشجاعة في قلبه، فإذا به يخاطب ملك التتار قائلاً: أنت عاهدت فغدرت، وقلت فما وفيت
ولد هذا الإمام بحرَّان ونشأ وتعلم بدمشق، ودرس بغزة وأوذي أولاً واكرم أخيراً في مصر، وتوفى بقلعة دمشق بالقاعة التي كان محبوساً فيها أيام محنته الأولى بعد أن أكد صلات العلم والدين بين القطرين الشقيقين في الربع الأول من القرن الثامن الهجري.