ولن يعود، ولن يعقل ما يقول الناس - وما ظنك برجل من رجال القضاء - رجل مارس العقل والفهم وتقليب الرأي، والتثبت من الحجج المتضاربة الموهمة، والحرص على أدق الصغائر لا تخدعه عن عدله وإنصافه؟ ما ظنك برجل هذه صفته يزعم أنه لا يطلع، بل لا يعني نفسه بأن يطلع على آراء خصمه! ثم ماذا؟ ثم ترى هذا القاضي العادل، بعد أن شهد على نفسه وأقر أنه (لا يعني نفسه البتة بالاطلاع على ما قد يقال)، يصف هذا الذي لم يطلع عليه ولم يقرأه ولم يتعب فيه، بأنه (هراء)!؟ فمن أين علم؟ وكيف حكم على شيء لم يقرأه؟ ثم يزيد فيقول إن هذا الهراء الذي لم يقرأه، أهون عليه من الغبار الذي يمس رداءه وحذاءه! ثم يبالغ فيعنف سائله ويتعجب له ويسخر منه، ويقول له: ما بالك أنت تهتم بما لا أكثرت له؟
وهذا التسلسل العجيب الذي كنا لا نظنه مما ترضى عنه بصيرة رجل مفكر، فضلاً عن قاض حريص، فضلاً عن رأس من رءوس القانون، فضلاً عن نابغة من نوابغ مصر، قد كان، ورضى عنه عبد العزيز فهمي باشا، وجعله حجته ومنطقه في حومة الرأي والجدال. ولعل الغضب هو الذي احتمله حتى أضله عن مواطئ حجته، ثم تركه يتضرب في كلامه، حتى اقترف من اللفظ والمنطق ما لا يليق به
ونحن سنرضى أن نكون في الغبار الذي يمس رداء الباشا، وفي الغبار الذي يمس حذاءه! ونسأل الله أن يجعله بركة للناس وخيراً، وأن يسبغ عليه من نعمه ما هو له أهل، وأن يسدد خطاه حيث ذهب، فحيثما اهتدى الباشا كنا من الغبار الذي يهتدي بهدي حذائه! وسواء علينا بعد ذلك أقرأ هذا الهراء أم لم يقرأه!
نحن نسلم للأستاذ الجليل بما يقول عن صعوبة الحرف العربي المكتوب، وبأنه يعوق القراءة، وأنه يجعل العربية أبعد متناولاً عن عامة الناس، نسلم له بهذا، ثم ننظر كيف يكون الرأي الذي اعتسفه مظنة للتسهيل، ومدعاة لنشر العربية! وكيف يكون هو الذي يخرج الحرف العربي الغامض إلى البيان والوضوح، فلا يكون مضللاً ولا معوقاً، فإنه زعم أن:(ليس لدى المسلمين وغيرهم من أهل البلاد العربية وقت فائض يصرفونه في حل الطلاسم)! هذا هو محصول رأيه فما هذا التضليل الذي زعم؟ لقد قال من قبل إن الذي دفعه إلى هذا الرأي هو تيسير الكتابة العربية، (لأن حروف هذه اللغة ليس بينها حروف