لأنها قامت على حدود الولاية الرومانية القديمة التي كانت تسمى بهذا الاسم. ففي هذه الهضاب النائية المنيعة اجتمع بلاجيوس وصحبه، وعددهم لا يتجاوز بضع مئات حسبما تقول الرواية، ولجئوا إلى مغار عظيم يقع في آكام كافادونيا، وتحيط به وديان سحيقة خطرة، ويعرف في الرواية الإسلامية باسم (الصخرة). ويقول لنا ابن خلدون في الفصل الذي يخصصه (لملوك الجلالقة) إن هذه الإمارة الصغيرة التي كانت مهد المملكة النصرانية لا تمت بصلة إلى القوط، وأن ملوك الجلالقة ليسوا من القوط، لأن أمة القوط كانت قد بادت ودثرت لعهد الفتح الإسلامي، بيد انه يصعب علينا أن نقبل هذا الرأي على إطلاقه، فمن المحقق أن فلول النصارى التي لجأت إلى الشمال كانت مزيجاً من القوط والأسبان المحليين، ولكن الظاهر مما انتهى إلينا من أقوال الروايتين المسلمة والنصرانية أن الزعماء، ولا سيما بلاجيوس كانوا من القوط، وأن ملوك الجلالقة يمتون إلى القوط بأكبر الصلات.
ولم يعن المسلمون بادئ بدء بهذه الشراذم الممزقة، وكان إغفال أمرها من أعظم أخطاء الفاتحين، بيد أنه لما كثرت ثورات النصارى في الشمال، وبالأخص في بسكونية، (أو بلاد البشكنس) اهتم ولاة الأندلس بقمعها وتأمين الولايات الشمالية؛ وسير الحر ابن عبد الرحمن الثقفي وآلي الأندلس سنة ٧١٨م (٩٨هـ) جيشاً إلى الشمال لإخضاع النصارى. فاجتاح المسلمون بلاد البشكنس وهضاب استوريس، وأوفدوا حليفهم الأسقف اوباس، وهو أخو الملك وتيزا، إلى بلاجيوس ليقنعه بالتسليم وعبث المقاومة، فأبى بلاجيوس، ونفذ المسلمون إلى أعماق الجبال، وحاولوا عبثاً أن يستولوا على مراكز العدو، وحالت بينهم وبينه الوديان السحيقة والآكام الرفيعة؛ وحصر بلاجيوس وأصحابه مدى حين، وقطعت عنهم المؤن، وتساقطوا تباعاً من الجوع حتى لم يبق منهم على قول الرواية سوى ثلاثين رجلاً وعشر نساء. وتزعم بعض الروايات النصرانية أن بلاجيوس كر على المسلمين، وأنهم هزموا هزيمة شنيعة وفقدوا ألوفاً كثيرة، ووقع أوباس أسيراً في أيدي مواطنيه فعاقبوه على خيانته بالموت.
ولما رأى المسلمون وعورة الهضاب وقسوة الطبيعة ارتدوا عن جليقية محتقرين شأن هذه الشرذمة الممزقة الجائعة؛ فقويت لذلك نفس بلاجيوس وأصحابه، وانضم إليه كثير من