اشكو أساي، وإنها شكوى الحبيب إلى الحبيب
مَاِلي تهبُّ صَبَا الشمال علىَّ من صوْب الجنوب؟
مالي فَنيتُ، وأقفَر المخضَلُّ من قلبي الخصيب
لا البشر يدعوني، ولا أّهتز للمرحِ اللعوب
لا الكأس تُغريني، ولا البسمات من ثَغر شنيب
أصبحت رسماً حافلاً باليأس، والصمتِ الرَّهيب
وبلغت - من زهدي - الثمانين التي هدت جنوبي
أغضبتما فكبا جواديَ، أم ترى كثرت ذنوبي؟
مَنْ لي بأيام الطفولةِ في حِمى الصَّدر الرَّحيبِ
ومَلاعب الأولاد في كنفِ المنازلِ والدُّروبِ
كانتْ أرقَّ من الصَّبا، وأحبَّ من نجوَى القلوبِ
رفَّافة كالرُّوح، أو كالنُّور، أو طَيْفِ الحبيبِ
ريَّا كنُّوارِ المُروجِ يَضوع في أرَجِ وطيب
مرَّتْ ولم تتركْ سِوى جفْنٍ على الذكرى سَكوبِ
ومُتوَّج بالثَّلجِ مَرْهوبِ المغاِوِر والجُيوب
أمْلَي الشَّباب علىَّ أنْ أرقاهُ في الزمن العَصيبِ
زَمَنٌ به حِفظُ الكرامة والإباءِ من العيوبِ
فصعدت لا زادٌ سوى الأعصابِ والفُصحى العَروبِ
فتمزَّقتْ كَّفي، وأدْمَى صَخْرُه العاتي كُعوبي
والشمس تلفح جَبْهة تنفضُّ عن ماء صبيب
وأدور حولي، لا أرى غير الموامي والسهوب
وتكشفت لي مِحنَةُ الأكْفاء في البلد العجيب
فرجعت مكلومَ الفؤاد بحظِّ منشىَ سليب
وكأنما للغَمْطِ والحرمان - من أبنائها - حظُّ الأديب
علي شرف الدين