التي نشبت بين عثمان بن أبي نسعة وبلاجيوس كانت بين سنتي ٧٤٦ و٧٥١، وهي رواية ظاهرة الضعف. لأن عثمان ابن أبي نسعة قتل سنة ١١٤هـ (٧٣٢م)، والرواية الإسلامية واضحة دقيقة في ترتيب الوقائع والتواريخ في هذا الموطن. وخلف بلاجيوس ولده فافيلا، ولكنه توفى بعد حكم لم يطل أمده سوى عامين (سنة ٧٣٩م). وكان الدوق بتروس أمير كانتابريا قد توفى في ذلك الحين أيضاً، وخلفه ولده الفونسو دوق كانتابريا، ونمت هذه الإمارة النصرانية الصغيرة أيضاً واشتد ساعدها، وقويت أواصر التحالف بينها وبين جليقية بتزوج أميرها الفونسو من ابنة بلاجيوس واسمها اورموزنده أو هرمزنده؛ فلما توفى فافيلا ولد بلاجيوس، اختار الجلالقة الفونسو دوق كانتابريا ملكاً عليهم، واتحدت الأمارتان، وقامت منهما مملكة نصرانية واحدة، هي مملكة ليون النصرانية أو مملكة جليقية في الرواية الإسلامية، تمتد من بلاد البشكنس شرقاً إلى شاطئ المحيط غرباً، ومن خليج بسكونية شمالا إلى نهر دويرة جنوبا، وتشمل مناطق شاسعة من القفر والهضاب الوعرة، وتحتجب وراء الجبال بعيدة عن سلطان المسلمين وغزواتهم.
ويعتبر الفونسو دوق كانتابريا، أو الفونسو الأول (الكاثوليكي) مؤسس المملكة النصرانية الشمالية، واصل ذلك الثبت الحافل من ملوك قشتالة الذين لبثوا قروناً يدفعون حدودهم إلى الجنوب في قلب المملكة الإسلامية، ثم انتهوا بافتتاحها والاستيلاء على غرناطة آخر معاقلها (١٤٩٢م)؛ وحكم الفونسو في ظروف حسنة، فقد كانت الحرب الأهلية تمزق الأندلس، وكان أمر الولايات الشمالية فوضى، والضعف يسود المسلمين في تلك الأنحاء. وكان ثمة منطقة عظيمة من القفر والخراب تفصل بين جليقية وبين الأراضي الاسلامية، فاجتاحها الفونسو بجموعه وقتل من بها من المسلمين القلائل، ودفع النصارى إلى الشمال. ولما حصل القحط بالأندلس (سنة ١٣٣هـ - ٧٥٠م)، واشتد عصفه بالولايات الشمالية الغربية، جلا كثير من المسلمين عن تلك الأنحاء، واشتد ساعد النصارى فيها، ورفعوا لواء الثورة، وفتكوا بالمسلمين، ونادوا بالفونسو ملكاً عليهم؛ وانتهز الفونسو هذه الفرصة فغزا استرقة واستولى عليها من يد المسلمين واستولى على كثير من البلاد والضياع المجاورة وضمها لأملاكه (١٣٦هـ - ٧٥٣م). وهكذا نمت تلك المملكة النصرانية التي نشأت في ظروف كالأساطير، واتسعت حدودها، واشتد بأسها بسرعة مدهشة، ولم يأت منتصف