أكاد ألمح في أكثر ما قرأت غمطاً لحق شعرائنا الشبان، وتثبيطاً لعزائمهم؛ فأكثر ما أقرأ يدور حول الزراية بأسلوبهم، والغض من أخيلتهم، ورمى كثير منهم بالغموض تارة، وبالمروق من مألوف العرب تارة أخرى؛ وما انصرف كاتب منصف لبيان فضل أولئك الشباب في شق طريقهم إلى المجد بين مختلف العثرات، ومسايرتهم النهضة الحديثة في طرائق التفكير، وتساميهم بأساليبهم بين أمواج الدخيل وعواصف العجمة وظلمات العامية المطبقة التي تأخذ على الغربي سبيله في المسارح والمجالس وكثير من المجلات المغرمة بإرضاء العامة؛ وأستاذنا الكبير (ا. ع) قادر بما له من واسع الثقافة، وطويل الخبرة، وأسلوب الحليم على أن يجعل من بحثه الرائق معهد نقد (بمعناه الأعم) يصف الداء، ويتبعه الدواء، والأستاذ دريني خشبة في استطاعته وهو المواكب لنهضة الشباب أن يجلو محاسن شعرهم، ويبرز للقراء لمعات العبقرية في أشعارهم، ومواطن الرجاء عند أكثرهم؛ إذا يجد القارئ قضية الشباب مبسوطة جلية ويستمع لأنصارهم كما يستمع للزارين عليهم. أما أن نبسط في أمر هؤلاء الشباب صحيفة السيئات ونطوي ما عداها وهم خلفاؤنا - رضينا أو سخطنا - على تراث الأدب فإن ذلك ليس في شرعة الإنصاف، وقد يكون له عواقب بعيدة المدى في تثبيط العزائم
إذا كان في أسلوبهم ضعف فأين مواطنه؟ وكيف يستطيع بعضهم أن يرضى قراء البحتري والمتنبي وأبي فراس وابن هانئ وأمثالهم؟ كيف يستطيع بعضهم - ممن لم تيسر لهم دراسة أدبية خالصة - أن يظفروا بإعجاب أولئك السادة وما وجدوا أمام أعينهم في أكثر مراحل التعليم إلا مختارات ضئيلة وتراجم قليلة تعني بفلسفة البحث أكثر من عنايتها بطرائف الأدب؟ عدلوا أساليب الدراسة الأدبية، ويسروا على شبابنا سبل الوصول إلى كنوزها، وزودوهم بمراجع الشعر مجلوة مسفرة، ثم وجهوا درس الأدب إلى تذوق الجمال الفني قبل غيره من بحوث فلسفية قليلة الجدوى؛ وإذاً لا يكون للشعراء الناشئين إلا أن يجودوا أو يتعرضوا للنقد اللاذع الصريح
وإن كان في أخيلة بعضهم شيء من الغموض وجنوح إلى التهاويل فهل خلا شعر هؤلاء