تأثير الكاتب أو الشاعر، أم كان من جهة تأثر القارئ أو السامع
وعلى هاتين الحاستين يجري نظم الكلام متسقاً كحبات العقد، مؤتلفاً كنغمات اللحن، منسجماً كسلاسل النهر، مصقولاً كمن السيف، مونقاً كأفواف الوشي؛ وتلك خصائص الطبع الموهوب لا حيلة فيها لمحتال، ولا قدرة عليها لمقلد. وتفاوت الفضل كما قال ابن الأثير (يقع في تركيب الألفاظ أكثر مما يقع في مفرداتها؛ لأن التركيب أعسر وأشق)
وتمييز اللفظ الحسن من اللفظ القبيح يحصل بأدنى كلفة، لأن المرجع في ذلك إلى الحاكم المطلق وهو السمع، فما استخفه كان حسناً، وما استثقله كان قبيحاً. (وحسن الألفاظ وقبحها ليس إضافياً إلى زيد دون عمرو، وإلى عمرو دون زيد، لأنه وصف ذووي لا يتغير بالإضافة) فالقراح والنقاح وصفان مترادفان للماء ولكن حسن الأول وقبح الثاني لا يختلف فيهما أحد
وأما التلاؤم من حيث موافقة الكلام لحركات النفس، ومطابقته لصور الذهن، فيكون بتقطيعه فقراً وفواصل تقصر أو تطول تبعاً لحالات النفس والفكر. فلكل عاطفة درجتها من الإبطاء أو الإسراع، ولكل فكرة مداها من الضيق أو الاتساع، ولكل صورة طبيعتها من الظهور أو الضمور، ومن القوة أو الضعف. قد تكون أشعة الإلهام كومضات البرق تتعاقب على الذهن بسرعة؛ وقد تكون عواطف النفس فائرة تجيش بالألم أو تضطرم باللذة؛ وحينئذ تكون الفقر القصيرة أنسب الصور للتعبير عنها؛ كما ترى في السور المكية من كتاب الله؛ فإنها لاشتمالها على أصول الدين تتصل بالعاطفة، فجاء لذلك أسلوبها قصير الآي كثير السجع رائع التشبيه قوي المجاز. وقد تكون المعاني رزينة بطبيعة موضوعها لتوخيها الإفادة أو الإقناع أو الشرح، فتقتضي الأسلوب المرسل أو المفصل، كما ترى في السور المدنية من القرآن الكريم؛ فإنها لاشتمالها على أصول الأحكام تتجه إلى العقل، فنزل أسلوبها هادئ البيان طويل الجمل مفصل الآيات واضح الغرض. أما إذا كانت الفكرة متشاجنة الأصول متشابكة الفروع فالابلغ أن تفصل بالاستدارة. والاستدارة صورة من صور التعبير في اللغات العليا، تحدث عنها أرسططاليس وترجمها مترجموه إلى العربية بهذا الاسم، ولكن البيانيين من علمائنا لم يحفلوا بهذا النوع ولم ينبهوا إليه في أساليب العربية على كثرة وروده في النثر والنظم، حتى وقع عليه بعض المتأخرين فسموه (القول