المستشفى نفسه الذي حلمته ممدداً فيه على فراش الموت
وأغرب من ذلك أن الشاب كان يتمتع بصحة يحسد عليها فلم يدر بخلدي أدني خوف على حياته. ولم يكن لدي من داع لحدوث هذا الحلم الذي أوحى إلي بموته
أنا لا أدعي معرفة الغيب ولا ما يخبئه المستقبل في طياته، ولست من مدعي النبوة، أنا رجل من طلاب الأدب والعلم لا من طلاب المعجزات والخوارق. لكني لا أنكر وجود قوة في الإنسان تستبق معرفة الحوادث. هذه القوة ما تزال مستترة على العلم لم يسبر غورها بعد ولم يتح له تحديدها
فكم مرة يفكر المرء في أحد أصدقائه ولا يلبث حتى يراهم أمامه. وكم مرة يتخيل أمراً فيتحقق لساعته، وقد قيل:(اذكر الذيب، وهيئ له القضيب)
أما الحلم الرابع فهو على جانب عظيم من الغرابة، لا يمت بصلة إلى الشهوات المكبوتة التي يقال إنها تستيقظ في العقل الباطن في خلال النوم، ولا يتعلق أيضاً بموت أو ولادة أو كسب أو خسارة أو ما شاكل ذلك مما يكثر حدوثه بين الأحياء فيعلق بمخيلاتهم ويشغل أذهانهم، فيأتيهم في الحلم
لا أزال أذكر أنني ليلة الحلم أويت إلى مخدعي قبيل منتصف الليل، وبقيت أتقلب على فراشي إلى ما بعد الساعة الثانية دون أن يغمض لي جفن من تكاثر قصف الرعود وتواصل هدير الزوابع والأمطار، لأن الليلة كانت هائلة من أروع ليالي الشتاء برقاً ورعداً ومن أشدها برداً وزمهريراً
لم يتملكني النعاس إلا في الهزيع الأخير من الليل ولم أكد أستسلم إلى سلطان الكرى حتى نزل علي هذا الحلم، فشعرت ساعة نزوله كأنني لست بالنائم ولا بالمستيقظ بل بينهما، وما بينهما سوى عالم الرؤى - عالم الأنبياء والأولياء - ولا شأن لي في هذا العالم
فحلمت أن صديقاً لي توفاه الله منذ عدة سنوات هبط مخدعي وانتصب أمامي قائلاً: أنتم معاشر الأحياء تعتقدون أن المرء الذي تغادره الحياة تغادره المعرفة ويبرحه الشعور، فتنقطع كل صلة له بكم وبعالمكم، فيعود لا يدري ما يحدث بأوساطكم ولا يشعر بأعمالكم ولا بسرائكم وضرائكم؛ وهذا خطأ فاضح، فالميت لا يفقد غير الحركة والنطق اللذين كان بهما يظهر لكم معرفته وشعوره، ولا يعني فقدانهما فقدان المعرفة والشعور، بل فقدان