يفلقن (ها، من لم تنله سيوفنا؟) =بأسيافنا هامَ الملوكِ القماقم
وقال آخر:
عافت الماء في الشتاء فقلنا ... برديِّه تصادفيه سخينا
قال السيوطي: جوابه أن الأصل (بل رديه) ثم كتب على لفظ الإلغاز
ومن ذلك قول الآخر:
لما رأيت أبا يزيد مقاتلاً ... أدع القتال وأشهد الهيجاء
قال: يقال أبن جواب لما؟ وبم انتصب (أدع)؟ ثم أوضحه بما خلاصته أن يكتب البيت هكذا. لن - ما رأيت أبا يزيد مقاتلا - أدعَ. . . الخ
ومن ذلك أيضاً قول الشاعر:
أقول لعبد الله لما سقاؤنا ... ونحن بوادي عبد شمس وهاشم
معنى البيت: أقول لعبد الله - لما سقاؤنا وهي أي ضعف ونحن بهذا الوادي - شم، أي شم البرق عسى يعقبه المطر. . .
ونلاحظ أن هذا الضرب الأخير من الألغاز اللفظية لقي أنصاره والمتشيعين له منذ القرن الخامس الهجري فما بعده؛ وراج على ألسنة النظامين والسجاعين ممن آثروا جانب اللفظ على جانب المعنى، وأنفقوا مجهودهم في المحسنات البديعية والحلي اللفظية يرصعون بها صفحات منثورهم ومنظومهم. وكأنما الضرب الأول من أبيات المعاني قد ذهب بذهاب المطبوعين من أدباء اللغة، وذوي القرائح المبتكرة فيها. وبقى هذا الضرب الأخير من التلاعب بالألفاظ يتمم الصورة الباهتة لحالة الأدب في عصور انحطاطه، وهو كما قلنا أيسر تأليفاً وأقل عمقاً من سابقه. ومن أمثلته المتأخرة قول ابن نباته ملغزاً في (القطائف):
أحاجيك، ما حلو للسان وإنه ... لأبكم إذ تعزى إليه المعارف
يُرى جالساً في الصدر ما كان كاملاً ... فإن نقصوه فهو في الحلْقِ (طائف)
وللشريف فتح الدين القنائي يلغز في (كمون):
يأيها العطار أعرِبْ لنا ... عن اسم شيء قل في سوْمكْ
تبصره بالعين في يقظة ... كما يرى ب (القلب) في (نومك)
وذلك أن مقلوب أحرف (نومك) هو (كمون). . .