للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نرى في هذه الأيام. بل رأينا من كان في حياته وشعره راضياً كأبي نواس، أو فيهما ساخطاً كأبي العلاء. أما التلفيق بين رضا الحياة وسخط الشعر فبدع لم نره إلا عند سادتنا شعراء هذا الزمان

إنك لترى الشاعر في أيامنا هذه وحياته كلها مرح ولهو ومجون وانبساط، فإذا أمسك القلم لينظم رأيت الدموع والحسرات واليأس المر كأنه لا يكون شاعراً إلا إذا ركب زورقاً من الأحزان في بحر من العبرات

إن شاعراً كعبد الحميد الديب - رحمه الله - إذا شدا في شعره بالبؤس والشقاء فلا بدع، لأنه كان بائساً شقياً فهو يصور حاله التي يعانيها، ويصف حياته التي يقاسيها - وهذه هي مهمة الأدب

أما شاعر كطاهر أبو فاشا - وهو معروف بمرحه ولهوه وازدحام حياته بأساليب المزح والدعابة - فلن نقبل منه هذا الشعر القاتم الحزين الذي تلمحه حتى في عنوان ديوانه (الأشواك) فتحس منه الوخز وتلمس الدماء. . . وما أحسب هذا الشعر إلا أثراً من آثار التقليد بين شعرائنا المحدثين من الشبان. سرى فيهم فسموا دواوينهم (ألحان الألم) و (الدماء) وغير ذلك من الأسماء

نعود إلى قصيدتنا فنقول إنها خالفت الشعر الجديد أيضاً في وضوحها. فليس فيها فكرة غامضة كهذه الأفكار التي يكتظ بها هذا الشعر، وعجيب من الأستاذ البشبيشي أن يضع هذا الغموض بجانب ما في شعر أبي تمام والمتنبي والمعري وابن هاني وشوقي والزهاوي من عقد في الخيال حيرت الباحثين أزماناً

شتان يا سيدي ما بين غموض منشؤه عمق الفكرة ودقة التصور، وغموض منشؤه خطأ الفكرة وفسادها. هذا غامض لأنه يحتمل كيت وكيت من أوجه التأويل والتخريج وكلها صائب. أو لأنه عميق بعيد الغور حتى إذا كشفت عن معناه وأسفر لك وجهه هششت له وانشرح صدرك

أما ذاك فغامض، لأنه لم يبن على أساس من الفكر الصحيح فهيهات أن ينكشف لك فيه وجه - لنه لا وجه له - إلا مع تعسف لا يحتمله اللفظ ولا تطيقه العبارة

هل قرأ أستاذي البشبيشي بيت أبي تمام في الخمر:

<<  <  ج:
ص:  >  >>