الأمم فلن يغيض الدم العربي الخالص ما دامت أنهار الله جارية في أرض الله، وما دامت شمسه وهواؤه وأرضه تنمى الأجسام وتطبع الأقوام
وأما الثبات للحوادث الطبيعية والإنسانية، فما دام هذا الوطن العظيم يعرف بعضه بعضاً، ويتصل بعضه ببعض، فستجد كل ناحية في النواحي الأخرى ما يسعفها بمطالبها إن قحطت، وما يدرأ عنها الأحداث إن طغت عليها. ومحال أن تعمها كلها الحوادث إلا أن يكون حادث القيامة حين يرث الله الأرض ومن عليها.
وأما احتفاظ الأمة بخصائصها فعلى قدر ما في أجسامها وعقولها من قوة، وعلى قدر ما فيها من اعتداد بالنفس وثقة بها، والعرب من أقوى الأمم أجساماً وعقولا، وأكثرها أنفة وإباء وعجباً وفجراً. والعربي منذ العصور الأولى يغلو في الاعتداد بنفسه ويأبى أن يسويها بالأمم، ويربأ من مصاهرتها. وقديماً أبى النعمان أن يزوج كسرى، وحديثاً قال أحد مجاهدي العرب في طرابلس الغرب، وقد عقد صلح بين أهل طرابلس والطليان وامتن هؤلاء على العرب بأن سووهم بأنفسهم في الحقوق. قال هذا العربي المجاهد وهو ليس رئيساً ولا زعيما:(واسوأتا! أأسوّى أنا بالرومي. . . إنه لذل عظيم). بل كان من آفات العرب الغلو في هذه الكبرياء فصعب أن ينقادوا ويسلسوا القياد. فبهذا الشعور بالعلاء والعظمة يعتزون بأنفسهم، ويمتازون بخصائصهم، ويتمسكون بأخلاقهم. وقديماً قال شاعرهم:
وإني لن قوم كأن نفوسهم ... بها أنف أن تسكن اللحم والعظما
وقديما وهن حاجب بن زرارة التميمي قوسه لملك الفرس ضماناً لما التزم من خراج. وحارب بنو شيبان الفرس إباء أن يسلموا سلاح النعمان بعد أن قتله كسرى. وقال أبو تمام يمدح بني شيبان:
إذا افتخرت يوماً تميم بقوسها ... وزادت على ما وطدت من مناقب
والمثل أكثر من أن تذكر في هذا المقام، وأبين من أن تبين
إذا أحاطت الأمة القوية أنفسها وخصائصها بأخلاق قوية كفلت دفع الخطوب عن حوزتها. ولا سيما الأخلاق الإنسانية العزيزة التي تأبى للأمة أن تخضع فتذل فتفنى. والعربي في