بكل ما أدركه الإنسان من علم، وثقفه من صناعة، بل وسعت حضارة القرون المتطاولة والأمم المختلفة غير كارهة ولا مكرهة
وقد أراد الله لها أن تكون لغة كتابه وترجمان وحيه، وبلاغ رسالته، فاشتملت على العالم الحسي والعقلي مصورا في كلمات وآيات، وجزيت على هذا خلوداً ما خلد للإنسان عقل وقلب، وما استقام له إحساس وإدراك. وتقلب الزمن، وتوالت المحن، وثارت الفتن وهي ثابتة ناضرة رائعة ثبات قوانين الله وروعة كواكبه. خمسة عشر قرناً محت لغات وخلقت لغات، وبدلت لغات وحرفت لغات، والعربية هي العربية لم تمح ولم تغير ولم تبدل، وما آية الخلود بعد هذا؟
ولم تبق هذه العربية لغة العرب وحدهم بل ثقفتها الأمم الأخرى، وأولتها من الحفاوة والعناية أكثر مما أولت لغاتها أحياناً، فصارت لغة العلوم والآداب للعرب وغير العرب حقباً طويلة ما بين أقصى المغرب وأقصى المشرق. ولا تزال على تبدل الأحوال وتوالي الغير لغة أدب وعلم في الأمم الإسلامية غير العربية. ولا تزال هذه اللغات مترعة بألفاظها ولا تزال تستمد العربية
وقد حوت على مر العصور أدباً لا تحويه لغة أخرى. أدب موطنه ما بين الصين إلى بحر الظلمات، وزمانه أربعة عشر قرناً، ولا نعرف في آداب العالم قديمها وحديثها أدباً اتسعت به المواطن هذا الأتساع، وامتدت به الإعصار هذا الامتداد
فالعربية بأهلها وموطنها وخصائصها وآدابها وتاريخها، والعربية بقرآنها، خالدة باقية على الخطوب والعصور لغة دين وعلم وأدب وحضارة وإنسانية. فهل تنصرها همم أبنائها وتستجيب لها عزائمهم؟