وعثمان وعلي، ولا في عهد الأمويين أو العباسيين، بل كانت تابعة تبعية محكمة؛ ولهذا لم تقم بها سلطة سياسية مستقلة تستطيع أن ترعى الحياة الأدبية والعقلية ببلادنا وتحوط نفسها برجال الأدب والفكر كما كانت تفعل الخلافة. ومن هنا لم تنشأ ببلادنا بيئة ثقافية قوية كما نشأت ببلاد الشرق. وهناك مثل بسيط ولكنه دال على هذه الحقيقة هو مثل الليث ابن سعد، فقد نبغ هذا العالم الكبير في علوم الدين حتى شهد له الإمام الشافعي بالتفوق على الإمام مالك نفسه، ومع هذا لم يستطيع عالمنا المصري أن يكون مذهباً. ولقد علل الشافعي ذلك بقوله:(إن أصحاب الليث لم يقوموا به) وفي الحق أن التفسير الصحيح هو نشأة الليث بمصر وتبعية مصر عندئذ لبلاد الشرق العربي وعلماء الشرق العربي، وعدم استقلالها سياسياً وروحياً
وفي القرن الثالث الهجري انفصل الطولونيون بمصر، وأخذت بلادنا تستقل بحياتها الروحية، كما استقلت بحياتها السياسية وكان من المنتظر أن تنشأ عندنا حضارة إسلامية لها طابعها الخاص أو على الأقل لها قوتها على الأصالة والخلق. ومع ذلك نستطيع أن نقول بوجه عام إن هذه الظاهرة أيضاً لم تتحقق
والسبب في ذلك هو أن وقت انفصال جاء مع الوقت الذي أخذ فيه الأدب العربي ينقلب انقلاباً خطيراً نحو المحاكاة والصنعة بدلاً من الابتكار والطبع، وجارت مصر هذا التيار العام الذي انتهى بتجفيف ينابيع الخلق الأدبي الأصيل في بلاد الشرق العربي وفي بلادنا على السواء
وانقلاب الأدب العربي نحو المحاكاة والصنعة ابتداء من القرن الثالث الهجري من الظواهر التي أفقرت الأدب العربي، وكان لها في تاريخ الأمم العربية كلها أسوأ الآثار
فالذي نلاحظه هو أنه منذ ذلك التاريخ أخذ علماء اللغة والنقاد ينظرون إلى الأدب الجاهلي والأموي وأدب الصدر الأول من العباسيين نظرة تقديس دفعهم إليها دخول الأعاجم بين العرب وتطرق اللحن إلى اللغة وشعورهم بالحاجة إلى المحافظة على صحة تلك اللغة حتى لا يدب الفساد في لغة القرآن والحديث أو تنحرف مدلولاتها عن وضعها الأول. وطغت نظرة العلماء والنقاد على الأدباء والشعراء فاضطروا أن يحاكوا القدماء لا في اللغة فحسب، بل وفي موضوعات القول وبناء القصائد، وهكذا استقرت ظاهرة المحاكاة حتى