وفي الثلاث أو الأربع السنوات التالية للحرب الماضية مباشرة استطاع الفلاح بفضل اليسر الذي خلفته سنوات هذه الحرب أن يواجه تلك التضحيات، ولكن لما عاد النقد إلى قاعدة الذهب لم يجد فائضاً يضحي به، فما لبث أن رهن أطيانه
وقد زاد المسألة حرجاً أن غلات الأطيان المرهونة قدرت قيمتها على أساس الأسعار في وقت التضخم النقدي، ولم تقدر بسعرها العادي. هذا إلى توالي النقص فيما ينتجه الفدان من قطن السكلاريدس نتيجة لانحطاط الفصيلة وللتلقيح الطبيعي والخلط الزراعي وقلة التسميد وضعف العناية بالوسائل الزراعية الصحيحة
وكان طبيعياً، وقد تدهور سعر السكلاريدس وهو سيد الأقطان المصرية أن تتدهور أسعار الأصناف التي تقل عنه تنفيذاً لقانون النسبية الظاهر الآثار في كل مناحي الحياة. فهبطت الأسعار جميعها إلى أدنى مستوى وأتيح لمحترفي المضاربة أن يلعبوا على مسرح الاقتصاد المصري أدواراً أكسبتهم على حساب المنتج كسباً كبيراً
لذلك ليس غريباً أن تثير الدعوة إلى زراعة الأقطان طويلة التيلة أشد الانزعاج. ولكن المأساة - إذا نفذنا في حقائق الأمور - مأساة صنف السكلاريدس بالذات وليست مأساة كل قطن طويل التيلة. وليس يصح منطقياً أن يسوء حظ كل الأقطان طويلة التيلة لأن أحدها كان سيئ الحظ لظروف خاصة
ساءت أسعار السكلاريدس في المدة من سنة ١٩٢٢ إلى ١٩٣٢ إلا فترات قصيرة ارتفع فيها السعر نسبياً. وقد اختتمت هذه الفترة بهبوط السعر هبوطاً مزعجاً إذ بلغ في شهر يونيو سنة ١٩٣٢ تسعة ريالات
لذلك جد المهتمون بالأمر في استنباط أصناف أخرى يكون لها من وفرة الإنتاج ما يضمن الربح لمنتجها؛ فاستنبط في سنة ١٩٣٤ صنفا النهضة والجيزة ٧، وكان الأول قصير العمر فمات، فأما الثاني فما زال يعيش
وتوالى الاجتهاد فيما بين سنة ١٩٣٤ ووقتنا هذا، فاستنبط الوفير وهو متوسط التيلة ثم الكرنك والملكي اللذان يعدلان السكلاريدس في طول تيلته، وأخيراً صنف جيزة ٣٩ أو شرييني
وفي هذه الفترة الأخيرة (من سنة ١٩٣٤ إلى الوقت الحاضر) لم يصب الأقطان طويلة