اعتقدوا أن هذا الرجل الذي أنكر العواطف الإنسانية في كتابه، غليظ القلب عار من العواطف، فأرادت أن تمحو ما وقر في أذهانهم وتبرهن لهم على خطأ اعتقادهم
وذات مرة فاجأته مدام دي سفنييه (متلبساً بالحنان) إذ سمع قصة تدل على الشجاعة ونبل العاطفة في أشد المواقف هولاً فبكى. وفي هذا تقول:(إنه يبكي نفسه بإعجابه بنبل هذه العاطفة) وأوحت إليه هذه القصة إحدى مواعظه: (يشعر الإنسان بأن له نصيباً في الأعمال الجميلة إذا مدحها بقلب خالص)
وقبل موته بقليل عرض عليه (هويه) أحد معلمي ولي العهد الدخول في مجمع العلماء، فاعتذر من القبول بالمرض. ولكن (هويه) يقول في مذكراته إن سبب رفضه يرجع إلى خجله الشديد في حضرة الجمهور
وفي أوائل شهر مارس عام ١٦٨٠ استبد به الداء، فعاده جميع الأطباء النابهين، ثم دعي (تالبوت) الطبيب الإنجليزي المشهور لعلاجه، ولكن الطب عجز عن قهر المرض. وفي ١٥ مارس كتبت مدام دي سفنييه إلى ابنتها تنبئها بحالة الدوق وتظهر لها إعجابها بهدوء نفسه واطمئنانه إلى لقاء الموت
وفي يوم ١٦ مارس استوفى أنفاسه ليلا بين ذراعي بوسويه، وهو في السابعة والستين من عمره، أي بعد موت الدوقة دي لونجفيل بعام، وبعد نشر قصة مدام دي لافاييت (أميرة دي كليف) بعامين وقد خلف لأولاده ديناً كبيراً على الرغم من ثروته الهائلة. ولكن ابنه الأكبر فرنسوا السابع نال بحكمته عطف الملك وحبه، وأصلح بمعونته ما أفسده أبوه
صفاته
ذكرنا في تاريخ حياته أنه وصف نفسه كتابة في صالون الآنسة دي مونبانسييه، ونشر هذا المقال عام ١٦٥٩، فكان أول عهد الجمهور بآثار هذا الكاتب الأدبية. وقد استهله بوصف دقيق لقامته وشعره ورأسه وأسنانه، ثم قال: (يحمل وجهي سمة الحزن وطابع العزة، وهذا ما يجعل الناس يعتقدون خطأ أن من طبعي ازدراءهم. ومزاجي تستقر فيه الكآبة وتألفه، ولم يرني أحد من الناس أضحك أثناء ثلاثة أعوام أو أربعة إلا ثلاث مرات أو أربع، ويخيل إلي أني كنت أحتمل اكتئاب مزاجي وأجد فيه بعض الراحة والهدوء لو لم يستطب صحبتي اكتئاب آخر يملأ مخيلتي ويستبد بفكري، ويجعلني أقضي جل وقتي إما صامتاً