ونعيد هنا ما قدمناه في مقالنا السابق حيث نقول:(إن المسألة التي نحن بصددها ليست مسألة تقدير للمنازل والمراتب في ديوان من دواوين التشريفات، ولكنها مسألة القيام بأعمال الرجال وأعمال النساء على الوجه الصالح لكل من الجنسين)
فلا يضير الناس أن يقال ما يقال عن تساوي الأقدار وتعادل المراتب بين النساء والرجال ما فهموا حقيقة الاختلاف بين استعداد هؤلاء وهؤلاء، وما وكلوا لكل منهما عمله الذي يحسنه ولا يعطل فيه ملكاته التي توارثها من أول عهد التاريخ، بل من أول عهد الأحياء بالاختلاف بين التذكير والتأنيث
وهذه مسألة تثار الآن كما تثار جميع المسائل في أوقات الحروب والثورات. فإن كلمة حقي وحقك وحقوقهم وحقوقنا هي أول ما يسمع في الدنيا عندما يتسع فيها ميدان النزاع والتنافس والمغالبة على حظوظ الحياة، وقد سمعنا الكثير عن حقوق العمال وحقوق الجنود وحقوق الشيوخ والأطفال، وسمعنا الكثير عن حقوق الضعفاء المحكومين وحقوق الأقوياء الحاكمين، وسنسمع الكثير غير هذا حين تقترب ساعة الفصل بين جميع هذه الحقوق. فلا عجب أن تتردد بيننا وبين الأمم الأخرى كلمات الداعين والداعيات إلى حق المرأة في كل شئ حتى ما ثبت للرجال كل الحق فيه
لا عجب في ذلك ولا مدعاة فيه للتشاؤم والإنكار. إذ لا شك أن التنبه الخاطئ بغير فهم وسداد أنفع من الجمود الخاطئ بغير فهم وسداد، وقد جمدت المرأة زمناً طويلا؛ فلها اليوم أن تأخذ كفايتها من اليقظة كما أخذت كفايتها من الجمود، ولها في هذه اليقظة أن تخطئ ثم تخطئ حتى تصيب طائعة أو ترد إلى الصواب بحكم الحوادث التي تنفرد أبدا بالحكم الأخير
والذي نحن على يقين منه أن المرأة ستظفر بكل حق هي قادرة عليه ومحتاجة إليه، أو هي به في حدود الأنوثة التي أقيمت لها حدودها قبل المذاهب والقوانين، وستبقى لها حدودها بعد المذاهب والقوانين
ستظفر المرأة كل حق من هذه الحقوق، ولكنها ستعدل بمشيئتها عن تلك المطالب التي لا تريدها لأنها قادرة عليها أو محتاجة إليها، بل تريدها لأنها (زي جديد) كتلك الأزياء الجدد