مثلها كثرة وجودة، منها خزانتان في الجامع: إحداهما يقال لها العزيزية بناها رجل يقال له عزيز الدين من خدام السلطان سنجر، وكان فيها اثنا عشر ألف مجلد أو ما يقاربها - إلى أن يقول عن إحدى هذه المكاتب:(وكانت سهلة التناول لا يفارق منزلي منها مائتا مجلد وأكثره بغير رهن تكون قيمتها مائتي دينار. وأكثر فوائد هذا الكتاب وغيره مما جمعته، فهو من تلك الخزائن)، فهذه خزائن في مدينة مرو مكنت ياقوتا من تأليف كتبه، وحسبك بمعجميه الجامعين: معجم البلدان ومعجم الأدباء
ويحدثنا التاريخ أن أبا تمام الشاعر كان ماراً بهمذان في بعض أسفاره؛ فنزل البرد وسدت الطريق فأقام عند بعض معارفه، فجمع ديوان الحماسة من خزانة له
فهذه خزائن العلماء والكبراء من أطراف البلاد الإسلامية، فما الظن بخزائن الخلفاء والملوك في المدن الكبرى؟ لقد كانت خزائن الكتب من سنن الحضارة الإسلامية والعربية، ولا تزال بيوت الخاصة في الأقطار العربية مشتملة على خزائن قيمة. ولا تزال بقية الخطوب من تلك الخزائن تحدث أخبارها. وقد أدركنا في خزائن استامبول مثلاً مما كان في العواصم الإسلامية الأخرى
وكان الناس إذ ذاك لا يجدون الورق ميسراً رخيصاً كما نجده في هذا العصر، وكان كل كتاب ينسخ ويصحح على حدة. فغلت أثمان الكتب، وكانت النسخة من الكتاب تصحح وحدها على مؤلفها أو عالم يوثق به؛ فكان لا بد من الجهد والدأب لضبط نسخ قليلة من كتاب واحد
ولم يكن الأمر كما نرى اليوم تصحح نسخة واحدة للمطبعة فتخرج على غرار آلاف النسخ مصححة رخيصة ميسرة للفقير والغني. ومع هذا نرى الكتب المطبوعة غير مسندة إلى نسخ يوثق بها ونجدها مملوءة بالتحريف والغلط، فأين الهمم من الهمم؟ ومع هذا نرى خزائن الكتب في عصرنا أقل منها في العصور الماضية، أيام لم يكن الورق رخيصاً والمطبعة تنشر آلاف النسخ من كتاب في زمن يسير لا يزيد على زمن كتابة نسخة واحدة منه. فلعل أهل العصر يكفون من غلوائهم، ويقلون من زهوهم وإعجابهم بأنفسهم والزراية على أسلافهم
هذا الإجلال للعلم، والجد في طلبه وتيسير السبل له وتنافس الناس فيه وحرص الكبراء