يقول الشاعر القُمَّي:
تحامق، تطبْ عيشاً ولا تكُ عاقلاً
فعقلُ الفتى في ذا الزمان عدوّه
ولأن من يتحامق يربح ويستريح. فقد سُئل مرة زيد بن سعيد العبدي عن تحامقه، فقال: (جَددت فشقيتُ، ثم تحامقتُ فأرحتُ واسترحت)
وكان أناس آخرون يتحامقون لينالوا الغنى. قالوا إنه كان في بغداد رجل عاقل، أديب فَهْمٌ، شاعر، يقال له عامر. وكان مع أدبه محرماً مجازفاً. فلما ضاق صدره، أظهر التحامق والتجانن، فتفقده صاحب له، وجعل يطلبه حتى ظفر به في بعض القرى، وحوله الصبيان، يضحك ويضحكون، فقال له: يا عامر، مذ كم صرت بهذه الحال؟ فقال:
جنَنْتُ نفسي لكي أنال الغنى
فالعقل في ذا الزمان حِرمان
وقد يدرك المتحامق الملوك بتحامقه فتحسن حاله، ويزيد ماله. قالوا إن علياً القصريُّ كان ممن يجيد الشعر؛ وكان محروماً لا يؤبه له. فتحامقَ وأخذ في الهزل، فحسُنت حاله، وراج أمره، حتى أن الملوك والأشراف أولعوا به، فأفاد من هزله وحمقه المال الوافر، والنشبَ الكثير. وذلك لأنه:
إن كنتَ تهوى أن تنال المالا
فالبس من الحمقِ غداً سربالاً
فيسهل ما عسر، وتوسر وتغنى، ... وتقوم بقوت عيالك وأهلك
عذلوني على الحماقة جهلاً ... وهي من عقلهم ألذُّ وأحلى
ولقد قلتُ حين أغروا بلوْمي=أيها اللائمون في الحمق مهلا
حمقى قائمٌ بقوت عيالي ... ويموتون إن تعاقلت هزلا
وقد يتحامقون لينجوا من آفة أو بلاء. أُدخِل عُبادةُ المخنث على الواثق، والناسُ يُضربونَ ويُقتلون في الامتحان. (قتال): فقلتُ والله لئن امتحنني قتلني؛ فبدأته، فقلت: أعظم الله أجرك أيها الخليفة. قال فيمن؟ قلتُ في القرآن! قال: ويحك، والقرآن يموت؟ قلت: نعم، كل مخلوق يموت. فإذا مات القرآن في شعبان فبأيش يصلِّي الناس في رمضان؟ قال: أخرجوه