للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بأعنف القول وأمر الكلام ويخاطبهن بقسوة وتهكم صارخاً بهن:

تحملوا حملتكم كل ناجية ... فكل بين على اليوم مؤتمن

فلا التهديد بالرحيل ولا الوعيد بالهجر، استطاع أن يلين قلبه ويميل به إلى الهوى، بل أعلن بأن البين لن يضيره، وأن النأي لن يزعجه. ولماذا يهتم ببعدهن ويشغل نفسه بهن، ولماذا يحزن لفراقهن ويأسى على رحيلهن ما دامت مهجته وحدها هي التي ستتحمل عبء ذلك كله، وما دام لن يجد لهذه المهجة إذا ذابت شوقاً وتلاشت حنيناً - لن يجد عوضاً عنها في الظعائن وثمناً لها في الهوادج!

ما في هوادجكم عن مهجتي عوض ... إن مت شوقاً ولا فيها لها ثمن

وإن الذي يقول:

وكل ما قد خلق الله وما لم يخلق

محتقر في همتي ... كشعزة في مفرقي

والذي يقول عن نفسه وعن الناس:

ودهر ناسه ناس صغار ... وإن كانت لهم جثث ضخام

وما أنا منهم بالعيش فيهم ... ولكن معدن الذهب الرغام

إن الذي يقول هذا القول لا يكون غريباً عليه أن يرى مهجته أسمى من أن يذيبها شوق لمخلوق، ونفسه أعظم من أن يقتلها حب لإنسان

وإذا كنا قلنا آنفاً إن المتنبي ناقم على الناس جميعاً وإن ثورته ليست على المرأة وحدها، فهذا لا يعني أن ليس له فيها نظرة خاصة. فقوله:

إذا عذرت حسناء وفت بعدها ... فمن عهدها أن لا يدوم لها عهد

وقوله:

ومن خبر الغواني فالغواني ... ضياء في مواطنه ظلام

إن هذا القول صراحة في تخصيصه إياها بالشطر الوافي من حملاته على بني الإنسان وصراحة رأيه السيئ بها، بل إن هذا القول يضعه في صف خصومها الألداء وأعدائها الأشداء، على أنه ربما كان أحسن وصفها كل الإحسان وأنصفها كل الإنصاف حين قال:

وإن عشقت كانت أشد صبابة ... وإن فركت فأذهب فما في فركها قصد

<<  <  ج:
ص:  >  >>