أما الفئة التي تعرف اللغات الأجنبية وتتقنها إلى الدرجة التي تقرأ بها الشعر الأجنبي قراءة مفهومة سائغة، فهي الفئة التي أخرجت لمصر وللشرق العربي أحسن شعرائها، ولسنا نريد أن نثير فتنة بين الفئتين بهذا التفضيل الذي لا يماري في حقيقته أحد، بل نحن - على العكس من ذلك - نريد أن نتهم أغلبية الفئتين بأنها أغلبية فقيرة الثقافة، قليلة الاطلاع، لا تحفل بأن تجاري تيارات الفكر العالمي، ولا بمواكبتها تلك المواكبة التي تنعكس في أشعارنا - أما موافقة وإما معارضة وإما ابتداعاً
إن المكتبة العربية لتحفل بطائفة قيمة من كتب النقد التي تتجلى عبقريات أسلافنا من النقاد العرب، والتي تطلعنا على موازين أدبية لا يقل كثير منها عما يروج اليوم من أساليب النقد الحديث في أوربا. . . فهل اطلع شعراؤنا الشباب - أو أغلبية شعرائنا الشباب - على هذه الكتب، وهل حاولوا الانتفاع بما أورده أصحابها فيها من كرائم اللفتات الأدبية التي تكون للقرائح الفجة، والأذواق الشاردة، كما تكون النار للذهب؟
هل قرأ شعراؤنا الشباب - أو أغلبية شعرائنا الشباب - كتاب العمدة لأبن رشيق، أو كتاب نقد الشعر ونقد النثر لقدامة؟ إنهم لا شك يسمعون عن كتاب الصناعتين للعسكري، فهل فكروا في قراءته والانتفاع بما فيه، أو بما في كتاب الموازنة بين أبي تمام والبحتري، أو كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه؟! ثم كتب البيان والتبيين والكامل ومعاهد التنصيص وغيرها وغيرها من ذخائرنا التي لا تحضرنا الآن أسماؤها والتي لا داعي لحشد أسمائها. . .
إن هذه الكتب وغيرها ثروة ثمينة في المكتبة العربية القديمة لا غنى عنها لشاعر يحترم نفسه. . . شاعر يحس من نفسه بنواحي الضعف فلا يمنعه استعلاء أو غرور عن معالجتها بالإكباب على كتب القدامى من أبطال النقد الأدبي العربي، ثم بما تصل إليه يده من كتب النقد الحديث المؤلفة أو المترجمة، وهي كتب والحمد لله قد أنفق فيها مؤلفوها ومترجموها جهوداً محمودة مشكورة، يجب أن تقابل من طائفة الأدباء عامة، والشعراء بوجه خاص بحسن القراءة والمذاكرة، حتى يكتب الكتاب، وينظم الشعراء على هدى مما تلفتهم إليه تلك الكتب من عيوب الكتابة ومآخذ النظم، وحتى يستطيعوا أن يفهموا روح القوة - أو روح النهضة - التي نطلب إليهم الاضطلاع بأعبائها في الأدب العربي عامة، وفي الشعر