للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي نفسي شيء من خيبة الأمل على أن الطبيعة سلبتني أول مقومات العظمة التي حبت بها زعيمها الخالد!

(وأنا اليوم لا أريد أن أدفع اليأس في قلب قارئ جديد بالتحدث عن عظمة سعد، ولذلك اخترت أن أتحدث عنه لا بوصف كونه أمة في فرد ولا بوصف كونه الجبار العنيد، ولا على أنه الشجاع الأعزل الذي وقف في وجه الدولة المسلحة

(ولكني أريد أن أكتب عنه باعتباره إنساناً له نواحي ضعفه أحياناً، وله من الصفات الكثيرة ما يشاركه فيه كل إنسان آخر)

ثم تحدث الأستاذ (ح. ج) عن رقة شعور سعد التي جعلته لا يطيق باكياً أمامه ولا يستقبل أم المصريين في جبل طارق على المرسى خوف أن تجيش نفسه. وعن اضطلاعه بالمهام الكبار وهو مريض بجملة أمراض. وعن إثارة الأزمات لحيويته ونفي المرض عنه. ومن فكاهته مع الأزهريين الذين طلبوا إرسالهم في بعثات إلى أوربا. وعن مداعبته لزملاء المنفى في مالطة المتأثرين لما يصيب زوجاتهم من قلق عليهم بأن يخبروهن أنهم تزوجوا غيرهن فيبطل القلق!

والذي يقرأ هذا الكلام بما فيه من تهكم على حكاية وجه الأسد (يخيل إليه أن الكتاب الذي يشير إليه الأستاذ (ح. ج) قد سار كله على النسق الذي عرض الأستاذ به، وأنه أغفل من سعد تلك الجوانب الإنسانية التي فطن إليها كاتب المقال

ولما كنت أذكر ذلك الكتاب الذي يعنيه فقد عدت إليه فوجدت أن (كاتباً من كتابنا النابهين) هذا. هو الذي يقول في كتابه بتطويل وتفصيل نجمله في اختصار شديد:

(إن الذي يحسب سعداً مكافحاً مناضلاً فقط يخطئ في فهمه، وأنه: (لم يكن أصلح منه للعطف والصداقة وحسن المودة والأنس بالناس والارتياح إلى المعاشرة. وقد حفظ قلبه الكبير ما أودعته الفطرة من ذخيرة العطف الزاخر إلى آخر أيام الحياة. فإذا تأثرت نفسه بحالة مفرحة أو محزنة؛ فكثيراً ما تغرورق عيناه أو تنهملان بالدمع الغزير. وكان في مجالسه الخاصة من أقدر الناس على مؤانسة الجلساء بالحديث الشائق والفكاهة الحاضرة والحدب المطبوع، ثم يذكر بالذات حكاية أنه لم يكن يطيق باكياً، وأنه لم يستقبل أم المصريين في جبل طارق، وفكاهته مع الأزهريين ودعابته لزملاء مالطة في هذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>