لطالما خيل إليّ وأنا أجول بين شخوص تيمور أنني في (متحف الشمع) فتماثيل الشمع هي التي تمثل هذه الشخوص أوضح التمثيل: فلا هي التماثيل الفنية يتصرف فيها الفن كما يشاء ليؤدي فكرة فنية أو ليمثل لمحة نفسية. ولا هي الأجسام الحية التي تجري فيها دماء الحياة، فتتصرف تصرف الأحياء. إنها محاكاة للطبيعة وفيها قسط من الفن في الدقة والتلوين، ولكنها ليست بعد من الأحياء!
وكثيراً ما يعجزك وأنت تتأمل شخوص تيمور وتصرفاتهم وطريقة حديثهم أن تردهم إلى أي جنس من أجناس الآدميين في أي زمان أو مكان. وقد يسير بعضهم في مبدأ الأمر سيرة طبيعية حتى لتكاد تقول: هذا مخلوق حي. ولكن ما تلبث أن يخلف أملك بحركة تكشف لك أن ما أمامك إنما هو تمثال من الشمع، يحركه المؤلف حركة خاصة، لأن توهم - من التحليل النفسي - أن الناس يتحركون هكذا في هذا المجال
ويحاول تيمور أن يرسم نماذج بشرية من خلال شخصيات محلية - وهي محاولة لو أفلحت لأنشأت فناً إنسانياً وقومياً رفيعاً - ولكنه فيما يخيّل إليّ بعيد كل البعد عن الناس وعن البيئة. فالناس - حيث كانوا - لا يتصرفون هذه التصرفات. والناس في مصر، ليسوا كما يتوهمهم المؤلف، لا في طبيعتهم، ولا في أحاديثهم، ولا في خلجاتهم النفسية، ولا في سمة من السمات المحلية الكثيرة التي تبرز طابعهم
إنه لا يخطر لهذه الشخوص مرة واحدة أن تنفعل انفعالاً قوياً، كما يقع للآدميين - وحين تنفعل يبدو التكلف والبعد عن الحقيقة - وهي غالباً (سهتانة) كما يقول العوّام، حتى في فورات الحب ودفعات الانتقام. والحركة العنيفة ليست مطلباً فنياً في ذاته، ولكنها علامة من علامات الحياة تصدر من البنية الحية في ميعادها، فتدل على الحياة الكامنة فيها
و (بنت الشيطان) مجموعة قصص تبدأ بأسطورة تحمل هذا العنوان. وتحوي غيرها سبع قصص أخرى وتلمح في هذه الأسطورة محاولة فلسفية لإبراز فكرة خاصة، على نحو ما يصنع توفيق الحكيم. ولكن المدى متطاول. إن الحركة القومية السريعة، والبراعة الفنية اللبقة كلتاهما خاصتان من خواص العمل الفني عند توفيق، وكلتاهما تتوارى في هذه