فلم يهتم النبي صلى الله عليه وسلم إلا بمعرفة أثر ذلك الإفك في نفوس أصحابه، وقد أخذ يستشيرهم في أمره، فقال له عمر رضي الله عنه: من زوجها لك يا رسول الله؟ قال: الله تعالى. فقال عمر: أفتظن أن الله دلّس عليك فيها، سبحانك هذا بهتان عظيم. ثم دعا النبي صلى الله عليه علي بن أبي طالب وأسامة ابن زيد ليستأمرهما في فراقها، فأما أسامة فقال: أهْلَكَ يا رسول الله، ولا نعلم إلا خيراً. وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإنك لتقدر أن تستخلف. وفي رواية أنه قال: قد أحل الله لك فطلقها وأنكح غيرها، وإن تسأل الجارية تصدقك، يعني بُرَيرَةَ رضي الله عنها، لأنها كانت تخدم عائشة وتعرف من أمرها ما لا يعرفه غيرها. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بريرة فقال لها: أيْ بريرة، هل رأيت من شيء يريبك؟ قالت: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمراً أغمِصُهُ أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله. ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم زوجه زينب بنت جحش. فقالت: يا رسول الله، حاشا سمعي وبصري، ما عملت إلا خيراً، والله ما أكلمها وإني لمهاجرتها، وما كنت أقول
إلا الحق
فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من استشاره كبار أصحابه قام في الناس وخطبهم فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، ولا يدخل بيتا من بيوتي إلا وأنا حاضر، ولا غبت في سفر إلا غاب معي
فقام سعد بن معاذ سيد الأوْس وقيل أسيد بن حضير فقال: يا رسول الله، أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك
فقام سعد بن عبادة سيد الخزرج وقد احتملته الحَمِيَّةُ فقال: كذبت لَعَمْرُ الله لا تقتله ولا تقدر على قتله. وثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فلم يزل يُخَفَّضُهمْ حتى سكتوا، ولم يفعل شيئاً مع ذلك الرجل الذي آذاه في أهله، درءاً لتلك الفتنة، وإيثاراً للصلح بين الحيين اللذين قام على عاتقهما الإسلام
كل هذا وعائشة لا تعلم شيئاً مما يقال في حقها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد أن