وفي (المطهر) بين النار والجنة يذكر أوجو كابيتو ونعيه على كارلو دي فالو الذي دخل فلورنسا وشرد أبناءها وأهلها. . ثم يرى في فراديس الجنان إمبراطور الدولة الرومانية الشرقية (جوستنيان فيوازن الإمبراطور بين قديم روما وحاضرها، وبين وفاقها في عهدها الأول وانحلال عراها، وتنازع أهلها وفشلهم في عصرها الحديث، ناعياً على معاصري دانتي تفكيرهم في مصالح أشخاصهم، وتركهم الوطن تعصف به رياح القلاقل والاضطرابات. وكذلك يرى جده كاتشاجويدا ينعم في الطبقة الخامسة من طبقات الفردوس، فيحدثه هو الآخر عن الأحزاب والخصومات، والحروب والويلات، موازناً أيضا بين عهده المليء بالمحبة والسلام، وعصر دانتي المترع بالنزاع والخصام. .
ذلك شيء من حواره الوطني الذي كان يهتبل الفرص فيذكره في ثنايا رسالته، وفي تضاعيف خياله.
فأما العذاب الذي تخيله ينصب من فوق رءوس هؤلاء الخائنين، فحسبك أن تعيره سمعك إذ يحدثك عنهم وهم في الدرك التاسع من السعير زرق الوجوه، مائلي الرءوس، غارقين في بركة من الثلج فسيحة الأرجاء، سار على صفحاتها فارتطمت قدمه بأحد الوجوه المشوهة، فتبين صاحبه فإذا هو (بوكا خائن الوطن، وقاتل من كان يحمل العلم الفلورنسي غيلة، فتفرق جندها، وحقت على جيشها الهزيمة، كما حقت على خائني الوطن كلمة العذاب.
وحسبك أن ترهف أذنيك الحديثة عن الكونت أوجولينو الذي ألقت إليه مدينة بيزا مقاليدها، وخضعت لسلطانه، فأسلمها وأسلم قلاعها وحصونها لأعداد البلاد. بيد أن قومه ظفروا به فاستفتوا في أمره المطران روجيرو فاشتط المطران في فتواه، وأسرف في حكمه، وما كان جوابه إلا أن قال: ألقوه مع أطفاله وأبناء أخيه الصغار في غيابة برج من الأبراج حتى يموتوا صبراً جوعاً وعطشاً. فحبسوه وذريته الأبرياء الضعفاء في برج ألقوا بمفتاحه في النهر حتى ماتوا جميعاً؛ فكان عاقبتهما: الكونت والمطران، أنهما في النار خالدين، ينهش كل منهما رأس صاحبه
ثم اختتم دانتي جحيمه بالحديث عن بروتس وعن كاسيوس قاتلي يوليوس قيصر خيانة وغدراً، ولم يرعيا عطفه عليهما، ولا إحسانه العظيم لبلاده. وهنا أطلق لخياله العنان وافتن