للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنفاسنا وحياتنا! وقال الفجر يخاطب الليل: أنت أيها الحسود كدت أن تمحي خطوطي الزاهية إلى الأبد، لولا (هذه الفتاة الحسناء) التي عادت فرسمتها برغم أنفك! فيالك من عدو ماكر وحسود خداع!

وقالت الأطيار بعد أن عادت تغرد في الدوح: تعالوا نحلق في الفضاء ونرفرف بأجنحتنا فالجو صاف، والنسيم عليل، والعبير يعبق في جو الأفلاك! وقالت الأنهار: تعالوا نرو الأرض من مائنا السلسبيل ونطفئ ظمأها من ينابيعنا العذبة، تعالوا! تعالوا! أن غديرنا يبعث من خريره أناشيد ملؤها الغبطة والسرور!

عندئذ نظرت النفوس إلى (يقظة الكون) وتأملت طلوع شمسها البهية، واشرق محيا الصباح الجميل فتنفست الصعداء وارتسمت على الوجوه ابتسامة سرور وانشراح وقالت: لك الحمد يا رب! أنت الذي نظرت إلينا بعين الرحمة، فما أطلت علينا ليلك، وما طالت علينا حلوكة الظلام الدامس! فها نحن أولاء نستيقظ من سباتنا العميق، ودم الحياة يتدفق منا قوياً حاراً، وثغورنا تبتسم لابتسام ثغر الأدب من بين شفتي هذه النهضة المباركة التي أنشأتها أقلام الأدباء، ونظمت لحنها عقول الشعراء، وخلدت مجدها عبقرية الفانيين، فقامت عصبة الشباب تطالب بالحرية والمساواة، ورفع راية الشرق، تستنكر الذل والخضوع، وتأبى الضيم وعار الاستلام.

هاهما حافظ وشوقي قد طواهما الخلود بعد أن غرد أناشيد الحياة المتنوعة، وخلفا ذكراهما تتناقلها الأجيال زكية الأرج، ضواعة العبير، وسجلاً صحيفتيهما في عالم الخلود!

هاهي ذي (مصر) كما تخيلها مختار تقف بجانب أبي الهول توقظه من نومه الأبدي وغفلته العميقة، لينقذها من هذه الأهوال التي جعلتها تئن تحت نيرها! هاهي ذي (الرسالة) الغراء لما تبلغ سن الفطام شبت وترعرعت، وغدت لسان النهضة الأدبية في العالم العربي قاطبة يقوم بها أسطع الكتاب اسماً، وأوسعهم شهرة، وأجلهم قدراً.

فاللهم اجعل هذه النهضة مباركة ميمونة الطالع على الشرق فيتحد أبناؤه، وتتوحد كلمتهم، وتأتلف قلوبهم، وتخفق بأمنية واحدة هي (الحرية)! وقرب لنا الساعة التي تتهلل وجوهنا فيها بالسعادة والغبطة، وترسل أعيننا دموع الفرح والسرور، فيمتلئ الجو من ندائنا، ويرتفع علمنا المحبوب يشق أجواز الفضاء، ونصيح من أعماق قلوبنا بصوت واحد

<<  <  ج:
ص:  >  >>