بنظام التصاعد، ومما يحزننا ألا تقتصر محنتنا الحاضرة على إتلاف سياستنا القومية، فتصرفنا عن الجهاد في سبيل استقلال الوطن وتحريره تحريراً صحيحاً إلى محاربة بعضنا بعضاً بكافة السبل، حتى أصبحنا جميعاً كفيران في مصيدة حارسها لا يجهله أحد، وكل من ثارت نخوته سنة ١٩١٩ يعرف اليوم في حزن أننا جميعاً على ضلال. نقول إن محنتنا الحاضرة لا تقتصر على هذا التلف القومي المحزن، بل تمتد أيضاً إلى حياتنا الاجتماعية فتصرفنا عن التفكير في مشكلتنا العميقة، مشكلة العدالة الاجتماعية إلى مشكلتي الاستغلال والإثراء العارضتين، وبذلك تنحرف أيضاً بتفكيرنا المذهبي عن هدفه الحقيقي
والأمر في حياتنا الثقافية مثله كمثل حياتنا السياسية والاجتماعية سواء بسواء، فمن الناس وهم كثير من لا يزال يزج بالنعرات القومية والدينية في مجال الثقافة ليتلف علينا حياتنا عن جهل، فتسمع مقابلات عجيبة بين روحية الشرق ومادية الغرب، كان الغرب لا روح فيه والشرق لا مادة به. والمشكلة الحقيقية ليست مشكلة ثقافة الشرق وثقافة الغرب، وإنما هي مشكلة الثقافة أو الجهل، وهذه أيضاً فكرة مذهبية يجب أن يستقر عندها ضمير الأمة حتى تستقيم لنا الحياة. هنالك ثقافة إنسانية موحدة نشأت في الشرق، ثم انتقلت إلى الغرب الذي احتضنها دون أن يستنكف من صدورها عن غيره. ثم نأتي اليوم نحن الحمقى فنجادل جدلاً عقيماً في وجوب استردادها منه أو رفضها. ومن عجب أن ترانا جميعاً آخذين في هذا الاسترداد بالفعل، ومع ذلك نجادل في هل نحن على حق أو باطل، إن كنا على باطل فلنتخل إذن عن جميع مظاهر الحياة المادية التي تحوطنا من جميع النواحي، فكلها غربية، بل لنتخل عن مدارسنا وجامعاتنا ومناهج بحثنا، ولنرجع إلى (الكتاب) والحفظ عن ظهر قلب، ولنستمر في (العنقلة) ومناقشة الألفاظ كما عهدها الأزهر القديم وفي هذا المجال أيضاً تعمل أمراض النفوس وعقدها ومركباتها المختلفة أسوأ العمل، فالجاهلون بلغات الغرب يرون أنفسهم محرومين من وسائل التحصيل وإذا بالعجز يرتدي في نفوسهم أزهى الأثواب، فيناهضون ثقافة الغرب زاعمين أنها مخالفة لروحنا مدمرة لأصالتنا، وهم مع ذلك لا يتعففون عن أن يأخذوا بما يصل إليهم من فتاتها
لقد حان الحين لأن يستقيم تفكيرنا على أساس مذهبي يرتفع بقلوبنا عن حزازات الأشخاص ومهاترات الشوارع. لقد حان الحين لأن يلقى النفر المثقف منا ثقافة حقيقية