للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

طموح الجبار - وتلك هي خطيئته - أراد أن يطرق ميادين أُخرى، ميادين كنا نظن عيون الحلفاء بها ساهرة لا تعرف الغمض ولا النوم؛ فأخذ يغري الشعب الإيطالي بأمان براقة - وما أغرى لعواطف الشعب من التلويح له بالأماني البراقة ولو كانت كاذبة! فصال صولة وجال جولة، وقال في صدد الحدود بين مصر وبرقة إلى وزير مصر المفوض (لن يخدش خطي قيد أنملة)

الخطأ الأول في دبلوماسية ما بعد الحرب العالمية أنها لم تقتل الفاشية في بدايتها، فقد كانوا يعرفون أن فضلات المائدة مهما كثرت بعمدة عن أن تغذي معدة كمعدة موسوليني، لقد كانت الفضلات على العكس بمثابة مشهيات عنيفة: فما طالب بطلب أو هدد بتهديد إلا وطائرة تحلق بين لندن وروما، وروما ولندن - خروجاً على التقليد البريطاني الراسخ - تحمل إلى نيرون أغصان الزيتون!!

لماذا أحجمت الدول عن قتل أفعى تلك الشهية وهي في مهدها؟ أكان هناك ما يبرر تنغيص العالم زهاء عشرين سنة بصراخ ذلكم الطاغية وتركه يتمادى في هواه وإثمه إلى أن شهر السلاح في وجه بريطانيا التي كانت العامل الأول في استقلال بلاده؟

ألمثل موسوليني يلوح بأغصان الزيتون؟

ألمثل موسوليني يطير ماكدنالد ويطير شامبرلين ويطير أيدن كلما صال الرجل وجال؟

لقد كانت الدبلوماسية البريطانية تعرف حق المعرفة أنه سيتمادى في مطالبه كلما أذعنت له، وأنه إذا أعطى قيراطاً عبس وتولى وطالب بقيراطين. فإذا أعطى القيراطان طالب بثلاثة فأكثر وهكذا، فإذا سلمت الجغبوب اليوم ظن تسليمك ضعفاً وطالب بالحبشة فملحقاتها فملحقات الملحقات إلى ما شاء الله، ذلك أن بعض العقليات الواطئة ترى في الكرم ضعفاً وفي الرفق خوفا ورهبة.

لماذا لم تعبر إذن الدول المتحالفة عن شعورها في حينه في حزم وفي صلابة؟ لماذا تركت موسوليني يتمادى في مطالب لا يبررها التاريخ ولا تقرها حالة إيطاليا المادية والأدبية دون أن تقابل تماديه بتهديد يعززه الاستعداد لمقاومته بالقوة؟

لقد دار الفلك دورته وانهزم الطاغية شر هزيمة وانهار صرح الإمبراطورية الإيطالية من أدناها إلى أقصاها وفقدت الصومال وأرتيريا والحبشة وطرابلس وألبانيا وجثا أسطولها

<<  <  ج:
ص:  >  >>